بقلم ياسين فرحاتي - كاتب من تونس
الرئيس الأسبق محمد المنصف المرزوقي طبيب أعصاب معروف و كاتب و حقوقي وهو كذلك أكاديمي بارز و ناشط سياسي بعد عودته إلى فلك السياسية رغم إعتزاله لها عقب هزيمته المدوية منذ الدور الأول في إنتخابات 2019 و من قبلها في 2014 عندما واجه الرئيس المخضرم الراحل الباجي قايد السبسي.
كل هذه الأمور لا تبدو غريبة رغم أن تصرفاته في بعض الأحيان تبدو مركبة للمتلقي أو الملاحظ أو للموقف أيضا فهو و كما سبق و أن كتبت و أشرت إلى ذلك في مقال سابق أنه يحسن و يتقن العزف و التلون و التحدث من منابر و ملتقيات و منتديات خارج تونس و ذلك لعلاقاته المحبوكة جيدا. أقول هذا الكلام و أنا لست من المعارضين أو الرافضين لحرية التعبير و التفكير و إبداء الرأي و لكن أزعم تحليل سلوك شخصية سياسية على قدر كبير من الإحترام المعرفي حتى و إن إختلف معها الكثير من التونسيين كونها لا تجد من منابر الخارج إلا " منصات لإطلاق صواريخها " على خصومه و هذا التعبير الأخير كثيرا ما كان يردده الرئيس قيس سعيد و كاد يصم به آذانا قبل 25 جويلية، و لكنه كان يدرك ما يقول و لكننا لم نع أو نفهم جيدا ما كان يقصد و ينوي فعله. على أية حال، كان الدكتور المرزوقي يتردد على تونس زمن حكم الرئيس زين العابدين بن علي و لم تكن تخيفه أو ترهبه تهديدات أو شتائم و سباب النظام و أبواقه العديدة وقتها لا بل كان يصر على زيارة أصدقاءه في غياهب السجون و يتحمل ما يتحمل من أذى لا لسبب إلا لتأكيد حضوره و هو موقف صلب و شجاع حقيقة. لكن اليوم، أراه قد يكون لربما وضع نفسه في موضع خاطىء قد يقول البعض من الحاقدين عليه أنه إرتمى في أحضان الغرب بين فرنسا و أمريكا حتى و إن قبل التحدث إلى الجمهور المثقف الأمريكي عبر منبر أو حرم جامعة عريقة كهارفارد الأمريكية لتقديم دروس عن الديمقراطية في الوطن العربي و عن التجربة التونسية التي يقول كثيرون أنها أصيبت بنكسة أو خيبة أمل وهو ما كشفته نسبة المشاركة الضعيفة جدا و خصوصا في صفوف الشباب الذي قاطعها و لكن لا يرى أولئك و غيرهم أن إستدعاءه لتقديم محاضرات للرأي العام و للنخبة الأمريكية هي شهادة إعتراف بكفاءة الدكتور المرزوقي فقلة هم الذين يحظون بنيل هذا الشرف ذلك أن أغلب كفاءاتنا هم من خريجي الجامعات الفرنسية و أذكر أن أستاذ القانون عياض بن عاشور رئيس المجلس التأسيسي في 2011 قد حظي منذ سنوات قليلة بشرف تقديم محاضرات في كوليج دو فرانس عن التحول الديمقراطي. لكن من بين الرؤساء لا أتذكر أو أستحضر من كبار مسؤولينا السياسيين من إعتلوا منصات أرفع الجامعات الأمريكية للقيام بخطابات تعرف بتجاربهم في الحكم و ممارسة السلطة فهي من شأنها أن تفتح نقاشات بناءة في صفوف المجتمع المدني الأمريكي و تبني جسور تواصل و شراكات من وجهة نظر فئة معينة بينما ترى جهات أخرى رسمية و غير رسمية على أنها خطوة للتطبيع مع دولة أو دول إستعمارية توظف قضايا معينة لخدمة غاياتها و مصالحها لكن و هذه حقيقة لا غبار عليها إن الرئيس المنصف المرزوقي مطرود من بلده تونس أو هو منفي رغما عنه فلماذا نلومه كثيرا و ننهال عليه بالنقد اللاذع. شخصيا كان بودي أن أراه يتعلي أحد مدارج أهم و أقدم و أرقى الجامعات التونسية مثلما فعل الرئيس الراحل لماليزيا مهاتير محمد بعد إعتزاله السياسة و قبل وفاته وهو الطبيب البارز لكن أستدرك مرة و مرة أننا في بلدنا لا نولي قدرا كافيا لكفاءاتنا التي في الداخل أو التي في الخارج بل ننكر فضل الأحياء و نادرا ما نعترف لهم بالجميل لأسباب تافهة فمنهم من يموت ألما من التجاهل و نسيان الجميل. أذكر مثالا وحيدا عن المهندسة الشابة ألفة الحامدي أصيلة مدينة قفصة و إبنة المدرسة التونسية و من الكفاءات المهاجرة بالولايات المتحدة الأمريكية و مؤسسة حزب الجمهورية الثالثة عندما حاولت إصلاح شركة الخطوط الجوية التونسية سرعان ما تم عزلها من قبل لوبيات إتحاد الشغل الفاسدة و صمت و تواطؤ سياسيين متنفذين.
في خاتمة المقال، أتمنى لمحمد المنصف المرزوقي الإنسان و إبن الجنوب مهد الأدب و الشعر و الحكمة و و الأصالة والشهامة و الكرم و صاحب عبارات و نصوص جيدة مثل " بلادي و إن جارت علي عزيزة " أن لا يقع مرة أخرى في فخ الفعل و ردة الفعل و إستسهال الأمور و الظهور المتكرر على القنوات التلفزية التي تثير الكثير من الجدل و النقاش الحاد كحضور حلقة في برنامج " الإتجاه المعاكس " لأنه مهما قلنا و عبنا على المنظومة الحالية فالوضع مختلف عما قبل الثورة لكن أملي أن يقدم صورة ناصعة عن المثقف التونسي و العربي الحقيقي ذي الرؤية الثاقبة و الفاحصة و يرسم أيضا صورة جديدة عن نفسة كرجل حوار و مصالحة و توافق و يطوي صفحته كرئيس أسبق لم يكن في مستوى إنتظارات غالبية التونسيين حتى و إن كان إرضاء الناس غاية لا تدرك.
إرسال تعليق
سياسة التعليقات على موقع الثقافية التونسية.
1. يرجى الالتزام بالتعليق على الخبر أو التقرير أو المقال نفسه ، والابتعاد عن كتابة تعليقات بعيدة عن موضوع الخبر أو التقرير أو المقال.
2.يرجى الامتناع نهائيا عن كتابة أي عبارات مسيئة أو مهينة أو أي كلمات تخدش الحياء أو تحمل سبا وقذفا في أي شخص أو جهة أو تحوي معان مسيئة دينيا أو طائفيا أو عنصريا