من القصص المشاركة في المسابقة القصصية. هذه هي القصة الثانية ونحن نطلب من القراء تقييم هذه القصص وترشيح القصة التي يرونها جديرة بالتتويج والفوز بالجائزة
................................................................------------------
"سفينة في عرض البحر"
قصة بقلم طه بلقاسم
رست سفينة "العنقاء" في ميناء مدينة "النميرة" تنتظر وفود المسافرين للرحلة السياحية رقم 7 التي برمجتها وكالة الأسفار إلى عدة جزر في بحر الكاريبي" لمدة 15 يوم.
في مكانه في صمت و قلبه يكاد يصرخ حبا ... فما لبث أن اختنقت حنجرته ثم بدأ بالسعال مما لفت انتباه زوجته لكنه سرعان ما طمأنها أنها فقط نزلة برد خفيفة. بعد ثلاثة أيام كان جميع من في السفينة يستمتع بالأجواء الصاخبة على ظهرها، هذا يرقص و ذاك يستمتع برذاذ البحر و شاب يغازل معشوقته، و تلك الفتاة الصغيرة تأخذ صور السالفي مع أهلها، بينما في غرفة مظلمة في المصحة كان الطبيب "سعيد" يصارع سعال حاد بعدما ارتفعت حرارته فخارت قواه، فتفطن له صبي صغير كان ينظر اليه صدفة من شباك المصحة فأطلق ساقيه إلى الريح الى قمرة القيادة ليبلغ القبطان فسرعان ما استجاب فأذن باستدعاء الطبيب البديل ليتفاجئ أن الرحلة اكتفت بطبيب واحد لغرض "بروتوكولي" باعتبار أن مثل هذه الرحلات الترفيهية لا تحتاج إلى طبيب. كان حسان يتجول بين الوفود منهك الجسم يستند الى زوجته سوسن بعدما اختنق من شدة السعال فانتقلت العدوى اليها فسرعان ما خارت قواها و ألزمت حجرتها مستسلمة الى الأقدار. مر القبطان "سالم" بجانب الصالة الكبيرة يضيق عينيه بين الوفود فانتبه الى رجل عجوز ملقى على الاريكة فذهب اليه بسرعة ليكتشف أنه قد فارق الحياة بجانب عكازه الهرم.. بعد 7 أيام خيم الحزن على السفينة فلا تسمع فيها سوى السعال و الأنين فقد فقدت نصف طاقمها و كأن وباء قد اجتاحها، فعلا إنه كذلك فقد تكلت الام ابنها و فقدت الزوجة زوجها و انتشر العويل ... في تلك العتمة المظلمة تكورت سوسن على فراشها تنتحب فقد فقدت زوجها حسان فتجرعت في فراقه حنضل الأوجاع ... كل يوم يمر تفقد السفينة من 4 الى 5 من سكانها ... فقد خيم شبح الموت على مناكبها و صفق طائر اليأس فوق رؤوس من تبقى القبطان و 10 أفراد كان من بينهم يتيمان وأربع نساء وشابان في مقتبل العمر ... اعتزلهم القبطان ليوم كامل في قمرته يبحث بين جدران ذاكرته عن
حلول، ثم جمعهم ليخطب فيهم قائلا: "سفينتكم رست في عرض البحر على ضفاف جزيرة مجهولة إسمها "المصير" فاستغلوا عزلتكم و اذهبوا الى القبو فإن فيه مكتبة منسية أهملها كل من ركب هذه السفينة غفلة ليتفرغ لنزواته. فيها من القرطاس ألوان فصحائفه ستنير وحشتكم و إن طال عزلها .. تزودوا بالكتب و تفرقوا و تباعدوا و الزموا غرفكم فالقراءة فتيل البصر و ترياق يجتث خمول العقول و يذل الناصية لتدل صواب الامور ... و أن ضاقت صدوركم مللا و صفق طائر الروح بجناحيه فزعا من هول تشعب الدروب دعوه يتحرر من سالف الامور و ينطلق الى الافق البعيد عبر خيال جميل اليخشع في حضرة الإلاه الواحد الأحد و يسبح بحمده على كل خلق مبین و عظمة كل توازن موزون و كل جسم يسبح في فضاء واسع أزلي فسيح .. فستجدون أنفسكم كائنات بسيطة في كون عظيم کنجمة لمعت في كوم من المجرات المرصعة و يكاد يبلغ أحجامكم ذرات الفايروس لولا كان كل شيء موزون" صمت قليلا ابتلع مرارة ريقه ثم أكمل:
"أبنائي بناتي أحبابي في الله لقد اشتعل الرأس شيبا و أنا أحاول فهم
هذه الحياة و فك شيفراتها، فانحنى ظهري امام مقود هذه السفينة و أنا أتجول في مناكب الأرض لعلي ارتشف في مكان ما كأس الخلود لتستقر نفسي، فكانت الظالة بائسة كضعف نفسي فلم أستطع بلوغ الحقيقة إلا في هذه الرحلة التي تعلمت فيها أن الله يضع قوته في أضعف خلقه و أن باب الموت أقرب إلينا من حبل الورید فعندما رأيته مفتوحا على مصراعيه شعرت بقيمة كل شيء من حولي، عرفت أن هذه الحياة بملذاتها و أفراحها و آلامها لا تسوي شيء أمام قلب مطمئن راض بأقدار الله خيرها و شرها. تجهزوا و اجمعوا امتعتكم ولا تيأسوا، فإما النجاة الى حياة جديدة بإرادة قوية أو النهاية و قلوبنا راضية بقضاء الله وقدره، هيا انتشروا و الزموا غرفكم و لا تستسلموا لهذا الوباء اللعين فشمس الغد مشرقة بإذن الله
سفينة في عرض البحر لطه القاسم حقيقة قصة جميلة جدا و معبرة
ردحذفهايل
ردحذفإرسال تعليق
سياسة التعليقات على موقع الثقافية التونسية.
1. يرجى الالتزام بالتعليق على الخبر أو التقرير أو المقال نفسه ، والابتعاد عن كتابة تعليقات بعيدة عن موضوع الخبر أو التقرير أو المقال.
2.يرجى الامتناع نهائيا عن كتابة أي عبارات مسيئة أو مهينة أو أي كلمات تخدش الحياء أو تحمل سبا وقذفا في أي شخص أو جهة أو تحوي معان مسيئة دينيا أو طائفيا أو عنصريا