نشرع بداية من اليوم في نشر القصص التي وردتنا للمشاركة في مسابقة القصة ونرجو منكم ترشيح القصة الافضل للفوز بالجائزة
سننشر القصص تباعا تحت يافطو القصص المشاركة في المسابقة وعددها 6 قصص
ادارة التحرير
---------------------------------------------------------------------------------------------------
محكمة الأرض
اماني بن حسين/ مدنين
كان ذلك في سنة عشرين و ألفين ، تماما بعد انقضاء الخمس الأوّل من القرن الواحد و العشرين ، توزع سكان الأرض على كواكب مختلفة و بقينا نحن بضعة ملايين على هذا الكوكب ، لم نستطع التخلي عنه ، كان هذا الخيار أشبه بالانتحار البطيء فكل الدراسات تشير إلى استحالة الاستمرار على كوكب الأرض و ستصل كل القصص فيه إلى وضع النهاية قريبا .أصررنا على البقاء ربما كان ذلك سبيلا إلى أن يجتمع شملنا مع أجدادنا في المقابر .نسبة الأكسجين هناك كانت أقل بكثير من العدد الذي قدم لنا في المدرسة ، البؤس في كل مكان ، الحياة عادت عدوا إلى الوراء ، استفحل غاز الجهل في الأرجاء ، نكل بالرافضين لهذا الغاز و اتهموا بالتمرد و العصيان ...ذبح بعضهم و كممت أفواه آخرين و صار هناك إجماع على أن الإنسان يملك أربع حواس لا خمس .لقد فقد بمرور الزمن و تعاقب النكسات حاسة الذوق فلا عاد يميز بين مختلف أنواع الأطعمة و لا عاد يفرق بين أجناس الأدب و لا بات يولي أهمية لألوان الأقمشة و لا تناسق اللوحات الجدارية في الشوارع الميتة .
الجميع يمضي و ينتظر الساعة ، لا أقصد قط يوم القيامة با أتحدث عن ساعة اللقاء بملك الموت ليستعد و يتجهز حتى أنه يوجد من يشمر على ساعديه و ينطلق في الاستعداد قبل سنوات بمجرد وعيه بذلك .
كل الأيام متشابهة ههنا روتين قاتل يغمرنا كبارا و صغارا ... إلى اليوم الذي حل بنا ما لم يكن في الحسبان ، مجرم خفي شاعت جرائمه و عجز الجميع على القبض عليه ... لقد مات الكثير بطريقة مختلفة تماما عن تلك تجهزوا لها ، لقاء فجئي خلف رعبا و هلعا في قلوب كل بائس على هذه الأرض .اضطررنا إلى مزاولة منازلنا أياما و أشهرا طوالا خوفا من هذا الكائن المجهول ... أحلامنا الوردية تحولت إلى كوابيس مزمنة تلحقنا ليلا و نهارا .
المحققون منهكون بقدر إرهاق امرأة عاشقة لرجل يعشق كل النساء أو بقدر إرهاق أعين أطفال سوريا من رؤية الدماء في الشوارع التي يمر بها المغتصب للحقوق و الحريات ، أو ربما بقدر الإنهاك النفسي لمرب ضحى في وطن انعتق أهله دين النكران و الحجود .... النوم لا يطال أجفان المحققين كل الآمال معلقة على نتاج بحثهم هذا ما أجمع عليه البؤساء حولهم و كثيرا ما ردد صغارهم المنغمسين في القصص الكرتونية "هل يكون فيهم شبيها لكونان ؟ هل سينجح في الكشف عن المجرم و إنقاذ ما تبقى على هذه الأرض ؟ هل يملك أحدهم ساعة سحرية تخدر العم توقوموري فيجلس مطأطئ رأسه و يوهمنا أنه هو المتحدث و من ثم يقف مفتخرا بصنيع ليس من رحم قدراته ؟ ... لا أحد يتفاعل مع هؤلاء فلا حول و لا قوة للأهل الذين يعيشون تحت وقع الصدمة و الصراع الوجودي المستمر للتركيز مع أسئلة الأطفالالتي لا تنتهي بل هم أنفسهم يستنكرون ما حل بهم و يطرحون أسئلة لوم و عتاب على القدر و الأرض ... أهكذا تكون نهايتنا و نحن من ضحينا و جازفنا لكي يستمر هذا الكوكب ؟ هل تم خذاعنا ؟ ما الذنب الذي اقترفناه يا رب الكون ؟... أسئلة مسترسلة و أجوبة لا تظهر للعيان ن لعله قدر مخفي أو لعبة ساذجة من سكان هاجروا أو فخ ذكي من مجهولين ... أي مجرم غزانا ؟
صارت الشوارع مرتعا له و لكن لو كان قويا و شعاجا لكان ظاهرا لا خفيا ، لصالح من يعمل يا ترى ؟ ما الذنب الذي ارتكبه بنو آدم حتى يبتلوا بهذا الغريب ؟ حاول الكثير مواجهته لكنهم لقوا حتفهم وهم في الطريق إليه ، أي قوة يملكها و أي هوان حل بنا ؟ألا يكفي أننا اخترنا البقاء للعدم ؟ ما هذا الكائن الذي أربك نسق روتيننا ؟ . لا يمكن الاكتفاء بالمشاهدة يجب أن نفعل شيئا هذا ما رددده الجميع .
وفي العاشر من أفريل توصل المحققون إلى هوية المجرم :
الاسم : كورونا
الجنسية : فيروس
العمر : بضعة السنوات
المهنة : إلحاق الضرر بالبشر
دارت مشاورات طويلة و بالتنسيق مع كل فرق المقاومة تم وضع كمين لكورونا التي تنتظرها شكاوي عدة و ساعات وقوف في محل المتهم في المحاكم من البشر من مختلف القارات و الأعراق سلموها جميعا إلى محكمة الأرض لتحكم بينهم .
الخامس عشر من أفريل جلسة الحكم و قد بلغنا أن عدد الشكاوي تجاوز المليونين في حق هذا المجرم اللعين و قد خير القاضي أن تكون المحاكمة في ساحة أكبر ملعب في العالم ليتمكن الجميع من الحضور.
على اليمين يقف المدعي "الإنسان " و خلفه ملايين من بني جنسه الأشقر و الأسمر و القمحي و المؤمن و الكافر ... رجالا و نساء هبوا جميعا فإما نجاة من هذا الفيروس أو فناء من هذا الكوكب .أما في الضفة الأخرى فتقف المتهمة "كورونا " شامخة معتزة بإنجازاتها خلفها جيش يدعمها متكون من مجموعة من القيروسات الأخرى بالإضافة إلى الكوارث و الأوبئة ...وحّدهم همّ وضع حدّ لوجود الإنسان و يبررون ذلك باسم حب البقاء و حب كوكب الأرض .في حين تتوسط الأرض طاولة الحكم مرفقة بشجرة زيتون على اليمين و ملك الغابة على اليسار ...ثلاثة قضاة عرفوا بحكمتهم و عدلهم .
بدأت الجلسة توجه الأرض خطابها لمحامي الإنسان "تفضل دافع عن موكلك " فيقول " باسم الكائن المنتج على هذه البسيطة ، باسم أبينا آدم الذي سخّر له الله كل المخلوقات ، باسم خليفة الله في الأرض و رغم أنه ليس مجالا لاستعراض الإنجازات و لكن ال يمكن لأي مجرم (تقف الكورونا و تصرخ :المتهم بريء حتى تثبت إدانته" ، تطلب القاضية الهدوء و احترام المتحدث فتستجيب كورونا موجهة نظرات حقد لكل إنسان في القاعة فيقف طفل يرجح أنه إيطالي "أنت قتلت جميع أفراد عائلتي سأنال منك يتدخل الأسد )يستأنف محامي البشر خطابه "بقد تضررنا كثيرا من هذا الفيروس حضرة القاضي ، فقدنا أحبتنا و أطفالنا الذين انتظارناهم لسنوات حتى يشاركوننا جمال الحياة ، آباؤنا الذي قضوا أعمارهم يكافحون لنحيا خطفتهم منا الكورونا دون سابق إنذار ، لقد فرقتنا عن مدارسنا هناك أين كنا سنبحر في نصوص الجغرافيا و نتعرف على خصوصيات الأرض فيتضاعف حبنا لها فهذا جبل و ذاك سهل و هناك هضاب ... هناك أين كنا سنقوم بمشاريع فلاحية في محيط المدرسة و نغرس أشجارزيتون مثمرة مباركة في عيد الشجرة المجيد لنستظل تحتها و ننعم بزيتونها ... كنا سنرسم لوحة كبيرة لكل الحيوانات التي تضفي للكون توازنه و تناسقه ...لوحة عظيمة يشارك في أعظم الرسامين و تعلق وسط الأرض لتستمتع بها كل الأنظار و تتعرف الناشئة على كوكبنا و ما فيه من كائنات :أسد قوي في الأعلى متقن بريشة رسام مبدع كبيكاسو و جانبه لبؤة شجاعة تؤنس الملك في برجه و حولهم أشبال جميلة ...لن تستمر هذه الأحلام قبل أن يصدر حكما عادلا يقضي بإعدام كورونا حتى الموت .
الكلمة لكورونا (تنظر بسخرية لمدعي و تجيب) " شكرا سيدي القاضي ، إن وجودي من مصلحة هذا الكائن الغبي لو فكر قليلا فبفضلي سيقل عدد المستهلكين في هذه الأرض وتتوفر فرص رفاه أكثر ، بفضلي ستزال الأقنعة و يكشف الصديق و العدو .... أنا لا أفهم سبب هذا الحجود الذي نتلقاه نحن معشر الفيروسات من البشر ، بفضلي اجتمعت أفراد العائلة في المنزل لساعات و تخلص الصغار من عبء الزمن المدرسي لأشهر ... كم يتقن هذا الكائن النكران ....إنكم أغبياء أغبياء . أنا سأرضى بالحكم و لكن الإنسان سيندم كثيرا .
بعد العودة إلى القوانين و التدقيق في حجج الطرفين قضت المحكمة بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة لفيروس كورونا مقابل إمضاء الإنسان على اتفاقيات يتعهد فيها بالمحافظة على كوكب الأرض و حماية كائناته من كل مكروه. لقد كان درسا صعبا لبني البشر تعلم بعدها الإنسان الكثير وواصل حياته في سعي دائم إلى التطور و التجديد .....
أماني بن حسن (22 سنة)- ولاية مدنين
رقم الهاتف : 51419985
Benhassen1amani@gmail.com
إرسال تعليق
سياسة التعليقات على موقع الثقافية التونسية.
1. يرجى الالتزام بالتعليق على الخبر أو التقرير أو المقال نفسه ، والابتعاد عن كتابة تعليقات بعيدة عن موضوع الخبر أو التقرير أو المقال.
2.يرجى الامتناع نهائيا عن كتابة أي عبارات مسيئة أو مهينة أو أي كلمات تخدش الحياء أو تحمل سبا وقذفا في أي شخص أو جهة أو تحوي معان مسيئة دينيا أو طائفيا أو عنصريا