ياسين فرحاتي - كاتب من تونس
أطلت القمة العربية في دورتها الجديدة الحادية و الثلاثين بحضور عربي رسمي ضعيف نسبيا و بحضور ضيوف شرف كالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. حيث انطلقت القمة مع إسدال الليلة ستاره على بلد المليون و نصف المليون شهيد تزامنا مع ذكرى اندلاع ثورة التحرير الجزائري في 1 نوفمبر عام 1954. و هي قد فتحت مصراعيها على باب يصعب غلقه من المشاكل المتراكمة و المؤجلة من قمة إلى أخرى لكن أيضا على بحر من التطلعات و الأمنيات و قد صدق المثل القائل " ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل " و ما أجمل البدايات عندما تكون مرفوقة بالتفاؤل و التخلص من عقد الماضي الأليم و استقبال كل مناسبة بأن تعيش اللحظة كما هي بروح جديدة و نفس جديد. ربما يتنزل هذا المدخل القصير في صلب خطاب رومانسي، و حماسي يشحذ الهمم و العزائم و هذا من مسئولياتي ككاتب عربي تقع على عاتقه مع آخرين مهمة تحفيز المواطن العربي الذي ظل لعقود طويلة خائبا أمله و متشائما من كل قمة عربية مهما كان حجم و مقدار التسويق و التعريف بها. و يندرج لقاء القادة العرب الذي تحتضنه بلاد الشيخ عبد الحميد بن باديس و الأمير عبد القادر و المفكر مالك بن نبي و الزعيم هواري بومدين و عيون كل العرب و خصوصا الإخوة الفلسطينيين مشرئبة صوبها في إطار ما سمي إعلاميا و سياسيا بقمة " لم الشمل " بعد قمة تونس سنة 2019، و التي أطلق عليها صفة " قمة التضامن ". و مثلما يدل العنوان على ذلك و الواقع لا يكذب ذات الرواية من أننا كعرب متشرذمون و منقسمون على بعضنا إلى أكثر من فسطاط فحتى رابطة اللغة و الدين كون غالبيتنا عرب مسلمون لم تستطيعا توحيدنا على قرار يهم مصيرنا و على أمر جامع و لو مرة و حسمنا القضية لصالحنا و نهائيا. و الذي أذكره كان قرار وقف تصدير النفط في عصر الملك السعودي فيصل رحمه الله أو حرب 6 أكتوبر سنة 1973، و التي لم نجن ثمارها جيدا و هي جزء لا يستهان به من أسباب نكبتنا الى جانب هزيمة حزيران 1967، التي عرفت وقتها أول حظر لتصدير النفط كردع لإسرائيل في حربها ضد مصر.استعدت الجزائر كأحسن ما يكون الاستعداد و هيأت الظروف لذلك و لكن ثمة أشياء نغصت على القمة وهي الخلاف القديم الجديد بينها و بين جارتها المغرب و في هذا رسالة سيئة للقاصي و الداني بسبب قضية الصحراء الغربية و التي تعترف فيها الحكومات الجزائرية المتعاقبة بأحقية جبهة البوليزاريو في الانفصال عن المملكة المغربية ثم المعطى الجديد منذ سنتين و هو عودة العلاقات المغربية الإسرائيلية التي تزعج كثيرا الجزائر حكومة و شعبا و هي ليست الدولة الوحيدة التي اختطت هذا النهج الذي رسمه الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب. بحيث تقع على اكتاف الرئيس الحالي عبد المجيد تبون أعباء ثقيلة وفقه الله على حملها و حسن إدارتها إذ الشيطان يكمن في التفاصيل كما يقال.و يتطلب حل حزمة المشاكل و القضايا الراهنة و التي تتراوح مدتها الزمنية بين نصف قرن و أكثر كالقضية الفلسطينية و احتلال إسرائيل للدولار السوري أو القضايا المستجد و التي عمرها عقد من الزمن و هي الناتجة أصلا عن ما سمي بثورات الربيع العربي مثل الأزمة السورية، و الأزمة اليمنية و الأزمة الليبية و الأزمة السودانية دون أن ننسى مشاكل أخرى كالوضع العام في العراق الذي ما انفك يعرف توترت خطيرة من فترة لأخرى بسبب صراع مذهبي طائفي شأنه شأن الوضع اليمني بين السنة و الحوثيين أضف إلى ذلك الصراع بين دولتين كبريين هما السعودية و إيران.و من دون شك يظل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الأكثر صعوبة و تعقيدا لكون الملف بيد دولة فوق القانون لا تعرف للحق سبيلا و تدافع بلا هوادة عن ربيبتها و يبقى قرار حظر تصدير النفط وسيلة ردع لإسرائيل قبل الاصطفاف إلى جانب روسيا أو الصين في اعتقادي الحل الأمثل رغم أنه قرار صعب و قد يؤدي إلى حرب شاملة لو اتخذ يوما ما لأنه يعني شل مصالح الغرب و أمريكا و انهيار دولهم و قيمهم و سيادتهم على العالم الثالث أو النامي. و ستقف أمريكا و إسرائيل كما العادة و بكل قوة ضد الخطوة الجزائرية الهادفة إلى تجديد و تعزيز المصالحة الوطنية الفلسطينية و التي سبقت القمة بأيام قليلة لكن على الفلسطيني أن يطوروا عملهم النضالي في الداخل و الخارج بشتى الوسائل الممكنة مستبسلين في الدفاع عن حقوقهم لأن عمر الإحتلال مهما طال سينتهي بإرادة الله و في ذلك حكمة منه.بخصوص الأزمة السورية تبدو مستعصية على الحل في الوقت الحاضر رغم أن النظام حسم امره عسكريا ضد المعارضة التي اضمحلت و انتهت و لم يبق لها ما تقول طالما أنه لا يعترف هو بمعارضيه أو خصومه و مما زاد الطين بلة هو تدخل عديد الأطراف التي حشرت أنوفها في الصراع مثل روسيا و إيران و حزب الله حماة النظام في مقابل تركيا و بعض دول الخليج التي كانت سعت إلى اسقاطه لكن دون جدوى وهو ما أحدث فتنة و حربا طائفية أيضا و في الحقيقة السنة بعد سقوط نظام صدام حسين عانوا الويلات من ظلم و جور و تهميش و إقصاء و إبادة جماعية أيضا. كما لا ننسى أن الأراضي السورية و خصوصا دير الزور تحت وابل الغارات العبرية و هضبة الجولان المحتل بدون مقاومة سورية فأين حلفاء سوريا الذين حرروا جنوب لبنان ؟!. بينما يناقش الحكام العرب مسألة عودتها إلى الجامعة منذ فترة لتقليص حجم التشتت العربي و التنافر.الفتنة الداخلية الليبية تحركها أيادي فاعلة خارجية عسكريا و إعلاميا حيث يضيع النفط الليبي هدرا و يتدهور الاقتصاد بينما الشعب الليبي في أمس الحاجة إليه. فالأمن مفقود في مناطق و لا تكاد تستمع إلا قعقعة السلاح بينما مناطق أخرى آمنة. غياب الوعي الوطني و روح المسئولية خطران يحلقون في سماء طرابلس و المطلوب كما المجتمعون في العاصمة الجزائر حلا نابعا من الليبيين أنفسهم.من القضايا الأخرى الهامة التي قد تجد لها لها صدى في قمة الأشقاء العرب ملف سد النهضة و الخلاف المصري الأثيوبي و الضرر الذي لحق بالقاهرة منه و لا ننسى أن مصر هي " هبة النيل " أو هكذا قال أب التاريخ هيرودوت. أزمة المياه مرتبطة بتغير المناخ تهم أكثر من دولة عربية من بيها لبنان و العدو الإسرائيلي حول مياه نهر الليطاني و قد سامهت الولايات المتحدة الأمريكية إلى التوصل إلى إتفاق بينهما حول استكتشاف الغاز في أعماق البحر.مع أزمة المياه تتعمق أكثر فأكثر أزمة الغذاء و من ثم المجاعة و غلاء الأسعار و ضعف حجم التجارة البينية. و هذه الأمور، مرتبطة في ما بينها ستؤدي إلى نار الاقتتال و الاحتراب الداخلي مع خطر الإرهاب و موجاته المباغتة و الصادمة. كل هذه القضايا الاجتماعية و الاقتصادية ليست بغير تأثير متبادل مع السياسة إذ لا تزال قضايا حقوق الإنسان و الديمقراطية متعثرة جدا في بلداننا و ليس أفضل منها بحال العيش في كرامةحيث أصبحت عديد الدول العربية منطقة نابذة و طاردة لأبنائها و هذا يتجسد في الهجرة السرية و التي يذهب ضحاياها بالمئات يوميا غرقا في البحر.و من أشد المواضيع إثارة للاهتمام و الجدل علميا و ثقافيا اللغة العربية و هو موضوع قد تتولى إدارته و هذا الأقرب للمنطق و العقل منظمة الألكسو.نأتي إلى مخرجات مؤتمر القمة العربية و التي ركزت كثيرا على القضية الفلسطينية مثل كل القمم و من غير المستبعد أن تواصل إسرائيل سياساتها العنصرية و ممارساتها المنافية لحقوق الإنسان و تواصل إجراءات التصعيد يوما بعد آخر لأنها لا تخشى العرب و هم موحدين فما بالك و البعض منهم ممن يملك المال مطبع .معها دون أدنى خجل مقابل لا شيء ثم أكدت البيان الختامي أيضا على عدم التدخل في الشؤون العربية مما يعني الحفاظ على إستقلالية القرار العربي. و هذا أمر مشكوك فيه في ظل تبعيتنا للخارج في أكثر من مجال.مسألة تقييم قدرة أو استطاعة العرب على الوفاء بتعهداتهم رهين مدى صدق نواياهم و شجاعتهم و أوضاعهم الداخلية و الخارجية و أي مصلحة يفضلون فهل قرر العرب هذه المرة على أن يتفقوا بالقدر المستطاع لتكون قمة الجزائر بذلك ضمن السجل الذهبي لتاريخ مشرف لتواريخهم لم لا ؟!
إرسال تعليق
سياسة التعليقات على موقع الثقافية التونسية.
1. يرجى الالتزام بالتعليق على الخبر أو التقرير أو المقال نفسه ، والابتعاد عن كتابة تعليقات بعيدة عن موضوع الخبر أو التقرير أو المقال.
2.يرجى الامتناع نهائيا عن كتابة أي عبارات مسيئة أو مهينة أو أي كلمات تخدش الحياء أو تحمل سبا وقذفا في أي شخص أو جهة أو تحوي معان مسيئة دينيا أو طائفيا أو عنصريا