من بعيد
بطاقات يكتبها من باريس مهدي غلاب
: البطاقة عدد 6
مؤسسات ..العسل ...والأوثان ..!
تعتبر العاصمة الفرنسيّة من أكثر المدن المنتجة للعسل "الحضري ".. أي الذي يتم اِستخراجه من فوق المنشآت والبنايات المرتفعة في بعض الأحياء وسط المدينة، والذي يعدّ من أجود الأنواع ، حيث حصل على الرتبة الثالثة عالميّا ضمن مسابقة دولية لتصنيف الجودة في السنوات الأخيرة، وقد تجاوز عدد الخلايا العاملة فوق السطوح العالية وعدد من ناطحات السحاب حسب إحصائية 2015 إلى أكثر من 700 خلية كلّ واحدة منها تضم ما بين 30.000
و60.000 نحلة ولكم أن تحسبوا العدد.. وتتمركز أغلبها فوق المتاحف والبنايات المرتفعة والمطارات والمنشآت الثقافية والإدارية وحتى مراكز القرار .
ويأتي حديثي هذا ونحن في فترة روحانية أحوج مانكون فيها إلى المنتوجات الطبيعيّة والعلاجيّة البيولوجيّة وهذا نزر من يسر.
وعلى العكس من المتوقّع فإنّ هذا النّشاط يندرج في إطار سياسة متكاملة تتّبعها المدينة منذ سنوات طويلة وتشجّع على اعتمادها من طرف المؤسسات الخاصّة والعامّة والمواطنين المقتدرين والمهتمين ، هذا إضافة إلى أنّ هذه التقاليد الإِنتاجية ليست غريبة على العاصمة الفرنسيّة ، حتى أنّه يجوزُ لنا أن نلقّبها بعاصمة العسل بدل عاصمة الأنوار ، فغالبيّة الدول الأخرى لازالت الحقيقة تعتمد على المنتوجات البريّة والغابيّة لهذه المادّة "النبيلة"، مثل الصين والولايات المتحدة والأرجنتين وتركيا ودول شمال إفريقيا ومنها تونس ، ولكنَّ باريس - وبعيدا عن المقاربات الدّوليّة - تنفرد بخاصيات إنتاج العسل داخل الأحياء والمساحات العلويّة للعاصمة ، فللمدينة تاريخ طويل مع العسل بدأ منذ بدايات القرن التاسع عشر، وقد تم تصنيف هذا النشاط رسميًّا وتنظيمه سنة 1980 من القرن الماضي وتعدّ أكاديمية مسرح الأوبرا بالدّائرة التاسعة أول من بدأ بتربية النحل في خلايا متعددة متمركزة في أعلى البناية الأثرية وتأتي هذه السياسة متماشية مع متطلبات النّشاط، وذلك للعمل من جهة على تطوير العمل البيئي لضمان جودة معتبرة للمنتوج بعدما صار العسل البرّي في أغلب مناطق إنتاجه بفرنسا مهددا بانتشار الأسمدة و بمخاطر هجمات الزّنبور الآسيوي الفتّاك، ومن جهة أخرى فإن اِعتدال الطّقس وسط التجمعات السّكنيّة وتكاثر أعداد النباتات والأزهار على شرفات البنايات و داخل الحدائق العامة يشجع الدّولة على توجيه القطاع ومزيد التّرشيد، حتى صارت منتوجات بعض المؤسسات والمتاحف المعروفة تعد من النّوعية المطلوبة ويتوافد عليها الناس في المعارض والمحلاّت . ومن أهمّ المعالم والمؤسسات المعروفة المنتجة للعسل على شرفاتها أو فوق بناياتها، نجد حديقة "الليكسمبورغ"ومجلس
المستشارين و متحف "الاُورسي "ومطار "شارل دي غول "الدّولي شمال شرق باريس وبناية القصر الكبير قرب ساحة "الكونكورد" و وكالة فرانس براس للأنباء وبورصة باريس.
كنت الحقيقة في محضر سعيد مع بعض الأصدقاء يجمعنا الحديث وتفرقنا مسافة المتر ، كنّا نطلّ من خلف "الكمّامات" البشريّة ونتحدّث عن الإدارات والمؤسسات قبل الحجر ولكن لا نعلم بعد الحجر كيف ستكون السياسة المتّبعة ؟ . الحقيقة لم أُصادف أحد في المدينة يشتكي من لسعة نحلة واحدة والعسل ينحدر أنهارا فوق الطرقات
والمنعطفات وعلى السقوف الباريسيّة ولكن لم تفرش لنا زربية واحدة نمشي عليها طوال السنوات ولم تفتح لنا الجنّة أبوابها ولم تصادفنا الحوريّات الموعودة. ندخل الإدارات فتستقبلنا التّماثيل التاريخية المنتصبة في أغلب المداخل ونخضع لطقوسها وتحاصرنا أعداد لا تحصى من عدسات المراقبةالمرتكزة في كلّ ركن حتى نتعرّق وندخل في هستيريّتنا ولا نردّ. بطبيعة الحال نحن لا ننضح عسلا ونظلّ في شوق إلى رؤيته، لربّما يساعدنا على تجاوز البروتوكولات المعقّدة والرُّوتين الإداري النسبي. لعلّ أنهار العسل التي ذكرها القرآن وتحدّث عنها المعرّي في رسالة الغفران تنحدر بعد الحجر وتتبع الإدارة مع المواطن مع يتبعه النّحل مع بيئته.
هذا ما نعرفه عن العسل الباريسيّ ولكن وكما تعرفون فإنّ الرّحيق دائما ما يخفي وراءه التضحيات والتحدّيات مثلما يخفي الجمال المنافسة والعداوات.
رزقنا اللّه وإيّاكم العسل المصفّى من أنهاره ومتعنا بالحور والجنان الباسقة، وأعطانا الكِعاب الغارقة في أعنابه وسلّمنا الرّوح الضّائعة في جلبابه.
و60.000 نحلة ولكم أن تحسبوا العدد.. وتتمركز أغلبها فوق المتاحف والبنايات المرتفعة والمطارات والمنشآت الثقافية والإدارية وحتى مراكز القرار .
ويأتي حديثي هذا ونحن في فترة روحانية أحوج مانكون فيها إلى المنتوجات الطبيعيّة والعلاجيّة البيولوجيّة وهذا نزر من يسر.
وعلى العكس من المتوقّع فإنّ هذا النّشاط يندرج في إطار سياسة متكاملة تتّبعها المدينة منذ سنوات طويلة وتشجّع على اعتمادها من طرف المؤسسات الخاصّة والعامّة والمواطنين المقتدرين والمهتمين ، هذا إضافة إلى أنّ هذه التقاليد الإِنتاجية ليست غريبة على العاصمة الفرنسيّة ، حتى أنّه يجوزُ لنا أن نلقّبها بعاصمة العسل بدل عاصمة الأنوار ، فغالبيّة الدول الأخرى لازالت الحقيقة تعتمد على المنتوجات البريّة والغابيّة لهذه المادّة "النبيلة"، مثل الصين والولايات المتحدة والأرجنتين وتركيا ودول شمال إفريقيا ومنها تونس ، ولكنَّ باريس - وبعيدا عن المقاربات الدّوليّة - تنفرد بخاصيات إنتاج العسل داخل الأحياء والمساحات العلويّة للعاصمة ، فللمدينة تاريخ طويل مع العسل بدأ منذ بدايات القرن التاسع عشر، وقد تم تصنيف هذا النشاط رسميًّا وتنظيمه سنة 1980 من القرن الماضي وتعدّ أكاديمية مسرح الأوبرا بالدّائرة التاسعة أول من بدأ بتربية النحل في خلايا متعددة متمركزة في أعلى البناية الأثرية وتأتي هذه السياسة متماشية مع متطلبات النّشاط، وذلك للعمل من جهة على تطوير العمل البيئي لضمان جودة معتبرة للمنتوج بعدما صار العسل البرّي في أغلب مناطق إنتاجه بفرنسا مهددا بانتشار الأسمدة و بمخاطر هجمات الزّنبور الآسيوي الفتّاك، ومن جهة أخرى فإن اِعتدال الطّقس وسط التجمعات السّكنيّة وتكاثر أعداد النباتات والأزهار على شرفات البنايات و داخل الحدائق العامة يشجع الدّولة على توجيه القطاع ومزيد التّرشيد، حتى صارت منتوجات بعض المؤسسات والمتاحف المعروفة تعد من النّوعية المطلوبة ويتوافد عليها الناس في المعارض والمحلاّت . ومن أهمّ المعالم والمؤسسات المعروفة المنتجة للعسل على شرفاتها أو فوق بناياتها، نجد حديقة "الليكسمبورغ"ومجلس
المستشارين و متحف "الاُورسي "ومطار "شارل دي غول "الدّولي شمال شرق باريس وبناية القصر الكبير قرب ساحة "الكونكورد" و وكالة فرانس براس للأنباء وبورصة باريس.
كنت الحقيقة في محضر سعيد مع بعض الأصدقاء يجمعنا الحديث وتفرقنا مسافة المتر ، كنّا نطلّ من خلف "الكمّامات" البشريّة ونتحدّث عن الإدارات والمؤسسات قبل الحجر ولكن لا نعلم بعد الحجر كيف ستكون السياسة المتّبعة ؟ . الحقيقة لم أُصادف أحد في المدينة يشتكي من لسعة نحلة واحدة والعسل ينحدر أنهارا فوق الطرقات
والمنعطفات وعلى السقوف الباريسيّة ولكن لم تفرش لنا زربية واحدة نمشي عليها طوال السنوات ولم تفتح لنا الجنّة أبوابها ولم تصادفنا الحوريّات الموعودة. ندخل الإدارات فتستقبلنا التّماثيل التاريخية المنتصبة في أغلب المداخل ونخضع لطقوسها وتحاصرنا أعداد لا تحصى من عدسات المراقبةالمرتكزة في كلّ ركن حتى نتعرّق وندخل في هستيريّتنا ولا نردّ. بطبيعة الحال نحن لا ننضح عسلا ونظلّ في شوق إلى رؤيته، لربّما يساعدنا على تجاوز البروتوكولات المعقّدة والرُّوتين الإداري النسبي. لعلّ أنهار العسل التي ذكرها القرآن وتحدّث عنها المعرّي في رسالة الغفران تنحدر بعد الحجر وتتبع الإدارة مع المواطن مع يتبعه النّحل مع بيئته.
هذا ما نعرفه عن العسل الباريسيّ ولكن وكما تعرفون فإنّ الرّحيق دائما ما يخفي وراءه التضحيات والتحدّيات مثلما يخفي الجمال المنافسة والعداوات.
رزقنا اللّه وإيّاكم العسل المصفّى من أنهاره ومتعنا بالحور والجنان الباسقة، وأعطانا الكِعاب الغارقة في أعنابه وسلّمنا الرّوح الضّائعة في جلبابه.
مهدي غلاّب / باريس.
تمت الموافقة على هذا المنشور وتم نشره في المجموعة. عرض المنشور.
صحّ فطورك سي مهدي ، وإن شاء الله أيامك الكلّ عسل
ردحذفإرسال تعليق
سياسة التعليقات على موقع الثقافية التونسية.
1. يرجى الالتزام بالتعليق على الخبر أو التقرير أو المقال نفسه ، والابتعاد عن كتابة تعليقات بعيدة عن موضوع الخبر أو التقرير أو المقال.
2.يرجى الامتناع نهائيا عن كتابة أي عبارات مسيئة أو مهينة أو أي كلمات تخدش الحياء أو تحمل سبا وقذفا في أي شخص أو جهة أو تحوي معان مسيئة دينيا أو طائفيا أو عنصريا