سبتة ومليلة منهما مر الفاتحون د. أحمد القديدي سبتة ومليلة منهما مر الفاتحون د. أحمد القديدي

سبتة ومليلة منهما مر الفاتحون د. أحمد القديدي



سبتة ومليلة منهما مر الفاتحون



د. أحمد القديدي

في أعقاب اجتماع في الرباط بين الملك المغربي محمد السادس ورئيس الوزراء الإسباني (بيدرو سانشيز) في 7 أبريل 2022 أعرب الجانبان عن "استعدادهما لبدء مرحلة جديدة تقوم على أساس الاحترام والثقة المتبادلة والتشاور الدائم والتعاون الصريح والمخلص" بحسب بيان صدر عن القصر الملكي. وأوضح البيان أن سانشيز أعاد التأكيد على الموقف الذي أعرب عنه الشهر الماضي واصفاً مقترح المغرب بشأن منح حكم ذاتي للصحراء الغربية بأنه "الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية" لحل القضية (المقصود طبعا قضية الصحراء التي تشكل معضلة قديمة بين المملكة و الجزائر) وقال سانشيز إن الطرفين اتفقا على "خارطة طريق واضحة تسمح بإدارة الأمور محل الاهتمام بطريقة منسقة بروح طبيعية وحسن جوار دون مجال لأفعال أحادية الجانب". و دون أن نعلق على نتائج هذا اللقاء المغربي الأسباني كنا نود لو أشير خلاله إلى مشكلة سبتة و مليلة المدينتين الواقعتين في التراب المغربي و المحتلتين من قبل أسبانيا و اللتين و قعت فيهما منذ سنة أحداث مواجهة عنيفة بين شباب مغربي مهاجر إلى أوروبا عبر المدينتين و بين الشرطة الأسبانية حين غض الأمن الحدودي المغربي الطرف عنهم إحتجاجا على تواجد زعيم البوليزاريو للعلاج في أسبانيا ! و نتذكر أنه في عهد الملك خوان كارلوس منذ 10 سنوات أدى الملك محمد السادس زيارة إلى مدريد ونقلت وسائل الاعلام العالمية اصداء تلك الزيارة الرسمية التي أثارت جدلا واسعا كالتي أثارته زيارة رئيس الحكومة الأسبانية هذه الأيام. ولذلك فنحن واثقون من ان العاهل المغربي اثار قضية سبتة ومليلة مع الملك الاسباني حينها و مع رئيس الحكومة سانشيز هذه المرة بما يحقق عودتهما للسيادة المغربية ولو على مراحل حتى تصبح صفحة التعاون المغربي الاسباني خالية من إرث هذا الماضي الاستعماري ورواسبه. وقد صادف ان زار الوزير الاول المغربي تونس في السابق واجاب بوضوح على اسئلة الاعلام حول تمسك المملكة المغربية بالمدينتين. وانهما امانة في عنق الملك محمد السادس الذي يعرف كيف يفاوض وكيف يكسب جولة الحق. فالمغرب واسبانيا تربطهما أواصر عريقة حضارية وتاريخية واقتصادية مما يجعل حل قضية كهذه بالغة الحساسية لكننا نعول على حكمة الملك. وهي مناسبة لكي نعرف في عجالة بمجمل المدينتين ونلاحظ ان الرأي العام العربي كأنما يفاجأ حينما تطرح قضية مدينتي سبتة مليلة كأن الامر يتعلق بقضية منسية او بملف مغلق محفوظ في ارشيف السياسة الدولية. والذي اثار الموضوع اخيرا هو ممارسات السلطة الاسبانية المحلية المتمسكة بالمدينتين حيث اقامت الاحتفالات ونظمت المهرجانات احياء لذكرى مرور خمسة قرون على احتلال المدينتين! كان ذلك عام 1497 بعد خمس سنوات من سقوط غرناطة عام 1492 وبداية حملة التفتيش والرعب والابادة التي ضربت المسلمين الهاربين باسلامهم وكذلك اليهود في ابشع عملية ارهاب عرفها التاريخ تولى فيها غلاة الصليبية بقيادة فردينان وزوجته ايزبلا حرق آلاف المسلمين احياء وهدم البيوت واتلاف المصاحف وتحويل المساجد الى كنائس و جريمة اعظم في أكبر عملية تهجير عرفها تاريخ القرون الوسطى. واذا تساءلت ايها القارىء لماذا يصر غلاة الصليبية الاسبان على مواصلة احتلال سبتة المجاهدة واختها مليلة البطلة فالجواب موجود في تاريخ الاسلام عندما كان ظافرا بأمته فكل الفتوحات الاسلامية للاندلس تمت من مدينة سبتة: ـ طارق بن زياد القائد المسلم وصل من القيروان ونزل بسبتة ومر للاندلس من الجبل الذي يحمل اسمه الى اليوم ـ جبل طارق ـ عام 92 هجري (711 ميلادي). ـ موسى بن نصير المجاهد الصامد جاء من جزيرة العرب ومر من القيروان وكذلك نزل بسبتة ثم مر للاندلس من الجبل الذي يحمل اسمه الى اليوم (جبل موسى) عام 93 هجري (712 ميلادي). ـ أمير المؤمنين يوسف بن تاشفين هب من مدينة سبتة لاغاثة ملوك الطوائف عندما اشتد عليهم قتال الصليبيين عام 430 هجري (1083م) ـ عبدالمؤمن بن علي الموحدي صاحب الفضل في توحيد المغرب الاسلامي مر الى الاندلس من مدينة سبتة ولقب جبل طارق بجبل الفتح عام 556 هـ (1161م). ـ أبو يعقوب يوسف بن عبدالمؤمن الذي مر الى الاندلس كذلك من مدينة سبتة عام 580 هـ (1191م) وكانت الاندلس في ذلك العهد قبلة الفكر الاسلامي لدى ابن طفيل وابن رشد ـ وابو يعقوب عاصر صلاح الدين الايوبي الذي كان يسترجع بيت المقدس رافعا راية الله اكبر. خمسة ابطال اشاوس خمسة اسود مزمجرة عبرت البحر الابيض المتوسط الى الاندلس من سبتة. فهل من برهان آخر على الرمز الساطع الذي تمثله سبتة واختها مليلة في المخيلة الصليبية. هذه هي اسرار مواصلة الاحتلال والاسبان يتمثلون بعقيدة ملكهم القديم (ألفنسو) الذي كان يقول: لا تكفوا عن ضرب المغرب فهو العرقلة الكبرى في وجه اقامة الدولة المسيحية الكبرى. هذا هو الرمز الحضاري. اما الاسباب الاستراتيجية الحديثة فهي لا تخفى اذ اصبحت سبتة ومليلة رهينتين عربيتين على ضفاف البحر الابيض جنوبا وعلى الارض المغاربية الطاهرة تحسبا لما عساه يحدث في المستقبل المنظور فالحلف الاطلسي له مخططاته والمجموعة الاوروبية لها برامجها ولذلك فإن الحكومة الاسبانية عضوة هذا الحلف تحتفظ بالثغرين بعد ان تم اجلاء الاستعمار عن الثغرين الآخرين: بنزرت في تونس ومرسى الكبير في الجزائر. وان حجة اسبانيا حجة واهية اذا اعتمدت على الزمن فهي تقول انها موجودة على الثغرين منذ خمسة قرون ولكنها لا تقول ان هذه القرون الخمسة مليئة بالجهاد والمقاومة ولم يهدأ للمغاربة الابطال بال حتى ان امرأة مغربية مجاهدة هي عائشة الحرة كانت قائدة حملات الجهاد ضد المحتلين وكانت تقود سفنها بنفسها ضد المستعمر (الدون الفنسو) وكان الجهاد الثقافي موازيا للجهاد العسكري من ذلك قصيدة الشاعر محمد بن علي التشتالي (عام 961 هجري): هذه سبتة تزف عروسا نحو ناديك في شباب قشيب وهي بشرى وانت كفء اللواتي كافأت بعلهن بفتح قريب أو قصيدة الشاعر عبدالسلام قسوس: رفعت منازل سبتة اقوالها تشكو اليكم بالذي قد مالها لا تسمعن من جاهل ومثبط ومصعب من جهله احوالها او قصيد الشاعر عبدالواحد البوعناني الفاسي مخاطبا المولى اسماعيل بعد تحرير مدينة وهران حيث قال: ألا يا أهل سبتة قد اتاكم بسيف الله سلطان وقور ووهران تنادي كل يوم متى يأتي الامام متى يزور ايا مولاي قم وانهض وشمر لأندلس فأنت لها الامير ويكفي سبتة فخرا انها اعطت للحضارة الاسلامية القاضي عياض صاحب كتاب الشفا وهو الكتاب الذي لا يزال اهل المغرب الاسلامي يقسمون به الى جانب كتاب صحيح البخاري فيقولون اذا ما أرادوا ان يحلفوا: (والشفا والبخاري) تيمنا بهذين الاثرين الجليلين.

‏سينتهي هذا الإعلان خلال


التعليقات

سياسة التعليقات على موقع الثقافية التونسية.
1. يرجى الالتزام بالتعليق على الخبر أو التقرير أو المقال نفسه ، والابتعاد عن كتابة تعليقات بعيدة عن موضوع الخبر أو التقرير أو المقال.
2.يرجى الامتناع نهائيا عن كتابة أي عبارات مسيئة أو مهينة أو أي كلمات تخدش الحياء أو تحمل سبا وقذفا في أي شخص أو جهة أو تحوي معان مسيئة دينيا أو طائفيا أو عنصريا

أحدث أقدم

إعلانات

إعلانات