ماذا ارادت ان تقول فتحية نصري من خلال روايتها امراة الليل. قراءة منوبية غضباني ماذا ارادت ان تقول فتحية نصري من خلال روايتها امراة الليل. قراءة منوبية غضباني

ماذا ارادت ان تقول فتحية نصري من خلال روايتها امراة الليل. قراءة منوبية غضباني


قراءة منوبية غضبانى


عمل روائي للرّوائية التونسية فتحية النصري يتشكل في متنه وعي مبدعة تستثمر في الإختلاف وتجنح نحو المغايرة .... ولمبدعتنا رؤاها ومنظورها في الكتابة الرّوائية أو القصصيّة فهي تؤمن أنّ أي عمل أبداعيّ لا بدّ أن يكتنز بالقيّم الإنسانية والكونية . تشتغل في جلّ أعمالها الكتابية على المحتوى والثّوابت القيميّة . وقد جاءت جلّ أعمالها الأدبية نابضةبالإلتزام صانعة فكرا يرفض الظّلم والتّهميش والعنف ويصادر كل مظاهره .. وفتحية النصري أنسانة تحمل في حسذها توجّها ومبدأ حقوقيذا تمارس مقتضياته في الواقع عبر العمل الجمعياتي الميداني فتستجلي هموم المرأة وهواجسها مبادرة بالحلول الملائمة ... تغوص غوصا شاقّا لنماذج مسكوت عنها كما الحال في عملها الرّوائي الأخير "إمرأة الليل " وقد أجمع النقاد أنّ كتابة المرأة عن المرأة هي الأكثر صدقا والأقرب واقعية من كتابات المبدع ...دون أن يسقط هذا الإبداع في المصطلحات الجدليّة حول الأدب النّسوي والأدب الذّكوري .. ففي روايتها "امرأة الليل" يجيء العنوان مدويّا محدّدالهوية النّص وهذا العنوان بالذّات لم يُبْنَ على رمزيّة أومجازيّة معيّنة فهو أصلا من العناوين التي لا تحتاج الى حسن تلطّف في التّأويل .. يشير الى نصّ روائي بأكمله عبر كلمتين "امرأة الليل"وما توحي به من إثم ورذيلة وانتهاك لحرمة جسدها وإن كانت أغلب الرّوايات القديمة والحديثة منها قدتناولت صورة مضيئة للمرأة العربيّة الرّمز و اهتّمت بنماذج من ذاكرتنا التاريخية والثقافية ,فالروائية فتحية النصري قد أعلنت في هذا المنجز تمرّدا جريئا للفت النّظر لصنف من النّساء المسكوت عنهن ...أنموذج مرفوض في مجتمعاتنا العربية .. وهو الإتّجاه نحو الواقع في الأعمال الرّوائية.. ويعتبر نجيب محفوظ من أبرز من اتّسمت أعمالهم الروائية بالواقعية.. ... والرّواية الواقعية تتطلّب فنيّات معيّنة ووظائف دقيقة تتحكّم في بنائها ..وقد برعت الروائية فتحية النصري في تخيّر الأنماط الخطابية التي اعتمدتها في منجزها سردا ووصفا وأقوالا ....فاستهلت عملها بالفضاءات التي تمتد فيها الأحداث والوقائع المتصلة بالبطلة والشّخصية المحورية لعملها فالبيئة التي ترعرت فيها "نجمة" ترتقي الى مكانة متميزة في المعمار السردي للكاتبة .. والوعاء المكاني الذي احتضن" نجمة" أخذ مكانة متميّزة عبر أنظمة وأنساق لغوية كأنّي بها تخلق المعنى الذي حجبه النّص عن البطلة "نجمة" .. وقد رجّح علم النّفس أهميّة الأماكن المليئة بالأفكار والآمال والتّرقّب في توليد الصّراعات الدّاخلية بين الرّغبة والواقع...بين المُدرك والمنتظر. ... تحدّثنا البطلة عن بيتهم فتقول كم نمت مع اخوتي تحت ظلال القميرة نرحل مع ألقها ...نعدُّ نجومَها. والأيّام مترقرقة كعيون العريش ... نتمدّد على الحصير نستمتع بحكايا جدّتي ..أمذ تغزل الصّوف على وقع مغزلها القديمة .. نجوب الأحياء الطّينية والأقدام حافية .. نرسم بعبير الطّفولة احلام الآتي ... ألهث وراء الرّفاق بإشراق نجوب الأزقة لاهثين لانملُّ الضحك الجريء والبيت أيضا فضاء للظلم والعنف والتّهميش تقول نجمة هل جربتم مرارة اليتم ولوعة الفقدان في كل يوم أُضربُ..فعراك زوجة ابي معهقد أستنفد شهيّتها في ضربي والتّنكيل بي وجه اختي الغضّ الذي شوهه الإهمال كم حلمت بعشاء ساخن يزيل عني الصّقيع أكلت ضربا مبرحا لم يأكله طبل نهار العيد اغتراب الذات وهاجس الخوف من البيت وما فيه من اشكال التعنيف من الأب وزوجته بعد موت الأم ورحيلها . صور اختزنتها ذاكرة نجمة وتفرّعت بين عنف مادي ورمزيّ ووظفتها الروائية بدقّة في سردها كإطار حاضن لمشاعر وأحاسيس البطلة "نجمة" فضاء مشحون بالشّقاء والظّلم والعنف يشكل لاحقا دوائر رفض وتمرّدوبحث عن أسباب الإنعتاق وعدم التواصل مع الضّغط والعنف فهذه الجزئيات في حياة نجمة طبعت المتن السردي بالواقعية ..وأبانت عمّا يشغل بالها فينفلت باطنها بماترسب فيه وعلق تقول نجمة مستعملة ضمير الغائبة "كم حاصرتها الاسئلة....لماذا يعيش ثلّة في القصور بينما يموت الملايين في الظّلال المعتّمة وتهيمن الضّمائر الغائبة والمتكلّمة تصعيدا وتراكما .. فتقول مستعملة ضمير المتكلم المفرد في تدليل على قول ذاتها .. كم حلمت بعشاء ساخن ببعض الخضر الطازجة ... حاريت طفولتي بالقتل الشّنيع والاختفاء خلف زوايا حكايا لا تنتهي.. وتجاذب ونفور...وبيت يحمل ذكريات حزن وخصاصة وماذا عن جمالية الأمكنة... فوضى النظام بالحي القديم.. صراخ الأطفال وضجيجهم اشجار الزيتون عند تفتحها ..نساء العريش وتخوم الصباح رائحة القلبي في شهر رمضان تؤنس المكان وتعطره... ثمّ تفاجئنا المعاناة آتية على مهل فتوقّع بعض الإعترافات بنجمة ما اختلج في النفس وما زحفت به أقدارها ..بعد فجيعة الأحبّة يمرّ العمر كأوراق الخريف متساقطا.....وكم تمنّت مشاركة الأطفال العابهم نجمة"التي نشأت في قسوة الفقر وألم الجوع المرأة التي تشتّت بها السّبل فباعت جسدها .. دالات وجمالية السرد في رواية "امرأة الليل" الأبعاد الإجتماعيبة والنفسية في رواية "امرأة اللّيل " صاغتها الروائية بفنية عالية في تحليل غير ممل للعوامل المؤثرة في مسيرة بطلة الرواية وجعلتها الوعاء الحاوي للمختلف الأزمات والصّراعات النّفسيّة لها امراة تنحت على الهوة السحيقة شجنها ..تركت خلفها قرية حاقدة عجفاء وسنوات من الخوف والضياع ...كيف السبيل لانتشال اخوتها من براثن الخوف والجوع في كوخ ... دعوني اهرب منفخ الخصاصة والجوع... معتمدة في السرد على أسلوبها الشّيّق نافذة بنا الى عوالم سرديّة تمتاز بالدّقة والحبكة المتنقنة ,مركّزة على مواقف معينة عاشتها البطلة نجمة متوسّلة بحوار داخلي للبطلة.. ورغم فداحة الوقائع والأحداث في حياة بطلة النّص فمبدعتنا لم تغفل الحديث عن بيئة العريش التي ترعرعت فيها البطلة وما طبع جمال روحها.....فالشاعرية وشعرية النص والأماكن تؤكد أنّ الانحراف كان نتيجة لظروف فردية و مجتمعية خارجة عن ارادة بطلتنا "نجمة" استلهامات عديدة وارهاصات في حياة البطلة وصراعات بين الوعي واللاوعي تقول الروائية على لسانها أعترف أمام الملأ أنني إمرأة ضالّة ....أنتم الأسياد ونحن الخرقة التي تلمعون بها أحذيتكم أجهزتم على طفولتي الموؤودة في قرية صغيرة ولكل قرى الدنيا وحوشها الجائرة التي ترهب المتعبينة نفوس تائهة تبحث عن الخلاص من خلال محن عابرة.... والمبدعة فتحية النصري تحمل في وعيها سمات الجرأة والبوح وهتك المستور وفضح المسكوت عنه وقد تخلل مؤلفها مقولات وتأملات صاغتها في علاقة بمضون روايتها على غرار توارت خلف شروخ الجراح وانفتح الالم غربة الروح تعري الف سكبن وطعنة غربة الروح كتاب للمحن الشرف المذبوح على عتبات الحارة القديمةلست نورا ابيض لكي اطفئ فراشاتك ... لحظة المفارقة بين سديم الليل والنهار القطيعة ..هل جربتم الانتشاء بتقطيع الأوصال تاهت نجمة في غيها واثمها ..ورحلنا معها عبر أسلوب الرّوائية الذي تحتشد فيه الصور البلاغية متلاحقة أخاذة متواترة بين أفضية حميمية وارفة الظلال وارفة الشجن وارفة المتاعب. تتزوّج نجمة بعد توبتها رجلا من أعيان القرية ثريّا وميسورا .. في البداية تحدّى الجميع ...صارحته بحقيقتها وكان عليه أن يرفض الزّواج بها وتشاء الروائية أن تغرقنا في هزائم موروثة بثقافتنا ومعتقداتنا لتُبينْ عن العوامل المُحبطَة والقادمة من ماض مربك "تتغيّلر الأمكنة والمأساة نفسها ...تنتهي الحكاية بدماء تغطي ملابسي القديمة قدم مأساتي ...اهربي يا نجمة قبل أن يقبض عليك اللّيل " وأذا قبض اللّيل على نجمة فسيأويها وتأويه وتعود لنا أمرأة اللّيل بأكثر بشاعة وعقد ومحن لكن ...لكن تشاء الروائية فتحية .. أن أفعمتنا بلمستها الرّائعة لنهاية البطلة بين احتمالات اختفائها من القرية ..احتمالات كانت فيها "نجمة" نجمة تتلألأ في السماء بروحها النورانية ... هناك من شاهدها في العريش تسقي اشجار الزيتون وتتعهّد الورد والياسمين هناك من قال أنها ظلّت تعتني بزاوية الشيخ عبد الهادي ومن قال أنها تقطن احدى الأحياء الباريسية الفخمة ...غابت لتتلألا نجوم لتظل حكاية تستهوي العابرين .. فمن يعرف حقيقتها ... رواية عابقة بروائح زوايانا وبخورها وشيوخها ...ولابد من الحفر في زوايا الماضي انحراف واثم وندم ومحاولة للإفلات من جحيم وحل المواخيروالأبواب الخلفية ..... امرأة ليل أم "نجمة ليل "أفل بريقها وخبا وحجبته المظالم والفساد والفقر والتهميش مبدعتنا فتحية النصري حققت بمنجزك" امرأة الليل" سبقا وحفرت شاهدا لاينسى لإمرأة اللّيل . فالسّرد ماتع . تّجديد وجرأة الطّرح وشاعرية النّص واستثمار العقائدي والموروث وتوظيف كل مالا يمكن غزله عن رحلة "نجمة" المحفوفة بأسرارها ونواميسها ومقتضياتها.. أتمنّى أن أكون قد وفّقت في التّعبير عمّا ولج خاطري وفكري من إمرأة قلبها نابض وروحها نقيّة أوصلتني الى ذروة المعنى والمغزى..
 منوبية الغضباني القصرين في 11.03.2022 ..

التعليقات

سياسة التعليقات على موقع الثقافية التونسية.
1. يرجى الالتزام بالتعليق على الخبر أو التقرير أو المقال نفسه ، والابتعاد عن كتابة تعليقات بعيدة عن موضوع الخبر أو التقرير أو المقال.
2.يرجى الامتناع نهائيا عن كتابة أي عبارات مسيئة أو مهينة أو أي كلمات تخدش الحياء أو تحمل سبا وقذفا في أي شخص أو جهة أو تحوي معان مسيئة دينيا أو طائفيا أو عنصريا

أحدث أقدم

إعلانات

إعلانات