إلى أي مدى يمكن الحديث عن مصالحة عربية - عربية و هل ستستعيد مصر دورها الريادي القديم ؟
ياسين فرحاتي -
يجمع كثير من المحللين و الملاحظين و الديبلوماسيين أن القاهرة قد فقدت الكثير من وزنها السياسي خلال السنوات الأخيرة، من فترة حكم الرئيس الراحل محمد حسني مبارك على أقل تقدير و السنوات التي بعدها و بإستثناء الملف الوحيد الذي كان بحوزتها وهو ملف الوساطة بين الفصائل الفلسطينية و على رأسها حماس و الجهاد و إسرائيل كاد يضيع من بين يديها لفائدة الدوحة. و قد كنت كتبت في سنة 2008، مقالا عن مصر و الجامعة العربية تحت عنوان " المقر في القاهرة و الإنجاز في الدوحة . . فهل من سبيل إلى خروج ؟! " و قد قد أثار المقال الذي لم ينشر وقتها ضجة كبيرة بين للزملاء الذين كنت أعمل معهم في جريدة الخبير و هي صحيفة ناطقة باللغتين العربية و الفرنسية تعنى بالمال و الأعمال. و قد كنت سبقت الدكتور و المفكر العربي عزمي بشارة في التحدث عن الموضوع الذي حظا وافرا من التغطية الإعلامية في قناة الجزيرة حينذاك. و في الحقيقة فقد عرفت المنطقة العربية تطورات عديدة و كبيرة مع موجات ما عرف بالربيع العربي و مجيء الإخوان لحكم مصر.
و قد لعبت قناة الجزيرة دورا مركزيا خطيرا جدا كقاطرة للحركة الديبلوماسية القطرية، حيث أربكت برامج و سياسات دول بعينها و بسببها قطعت قطر علاقاتها مع شقيقتها المملكة السعودية و دولة الإمارات المتحدة و مملكة البحرين و بالكاد عادت و توترت جدا العلاقات بين أنقرة و الرياض بسبب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي على يد رجال مخابرات و أمن سعوديين في سفارة بلاده بالعاصمة التركية. هذا إلى جانب إندلاع الثورة السورية و التي تحولت إلى حرب لا تزال متواصلة مأساتها إلى حد اللحظة ! و ما عقبها من تحولات خطيرة لعبت فيها قطر و تركيا رأسي حربة في مواجهة النظام السوري المدعوم بكل من روسيا و إيران و حزب الله و كان من نتائجها الكارثية أيضا مغادرة قادة حماس في الخارج لدمشق، و الاستقرار بالدوحة و بالطبع تأثرت علاقاتها سلبا بكل من إيران و حزب الله حليفي الرئيس بشار الأسد.
كان هذا موجزا لجزء هام من مجمل التحولات الجيوسياسية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط، إبان سنة 2011، و مع صعود تيار الإخوان المسلمين في مصر بمجيء محمد مرسي إلى الحكم قويت أكثر فأكثر العلاقات بين الأمير تميم و نظيره المصري و تعززت الثقة بينهما بينما فترت كثيرا العلاقات المصرية - الخليجية خصوصا مع الرياض و أبو ظبي رغم الزيارة التاريخية التي أداها الرئيس الراحل مرسي لها و بدأ بذلك التآمر عليهم سرا و علانية حتى تم إسقاطهم و على علم من سفارة الولايات المتحدة بالقاهرة، على يد الجيش المصري بقيادة وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي الذي صار رئيسا للبلاد فيما بعد و في الأثناء قطعت العلاقات الدبلوماسية بين قطر و مصر بعد ما عرف بمجزرة رابعة و التي ذهب ضحيتها العشرات لا بل المئات من أنصار الإخوان ليطوى ملف حكمهم برحيل كبار قادتهم الواحد تلو الآخر. و بالمقابل بارك حلفاء الرئيس السيسي مشروعه الجديد و الذي مر عبر تزكية من محمد حسنين هيكل أحد أكبر أعلام الصحافة و الفكر السياسي في البلاد عندما قال : " أن السيسي هو مرشح الضرورة " كتفويض شعبي له نحو قصر عابدين. و بدأت تتقاطر الوفود الدبلوماسية و الأمنية و رجال الأعمال و المساعدات على القاهرة. المهم أن الإخوان رحلوا و دون رجعة هذه المرة !
تل أبيب بدورها رحبت به أيما ترحاب و مع مجيئه توطدت العلاقات المصرية - الإسرائيلية جدا حتى قيل إنها لم تشهد المنطقة أكثر فترة إنتعاشا و إنسجاما منها. و طبيعي أن يضيق الخناق من جديد على قطاع غزة و على حماس و تبدأ مصر في تدمير الأنفاق و التي قال رئيس حركتها الأسبق إسماعيل هنية : " أن الرئيس الراحل مبارك كان يغض الطرف على ما يبدو على المساعدات و عن الأسلحة و المعدات القادمة من إيران و هي التي تكفلت بمشروع تصنيع الترسانة الصاروخية للحركة على مدى سنين و صرفت عليها مئات المليارات من أجل دعم المقاومة " بمن فيها الجهاد و باقي الفصائل و قد أكدت الحروب التي خاضتها حماس ضد العدو الإسرائيلي أو تلك الأخيرة بين الجهاد و ذات الكيان الغاصب لمدة ثلاثة أيام تطور قدرات المقاومة بفضل عون الله ثم بدعم إيران و كذلك حزب الله.
في الساعة الراهنة، يعرف النظام العربي الرسمي حالة مخاض و تشكلا لتحالفات جديدة أو إعادة ترميم أو لنقل "هندسة جديدة " لتلك العلاقات البين عربية بعدما يبدو أن ملف الإسلاميين على وشك أن يطوى سياسيا لكن مشكلة الأفكار الإخواني التي تسكن المجتمع المصري المسلم أمر آخر يقول صحفي مصري. المهم أن الزيارة الأخيرة للرئيس السيسي إلى قطر، الوجهة المقبلة لمحبي و مشجعي كرة القدم العالمية خلال هذا العام، إستقبلت بحفاوة زائرها الجديد و للتذكير فقبل الزيارة هذه بأشهر إستأنفت العلاقات بينهما بزخم أكبر و بإستثمارات قطرية هامة في أرض الكنانة مما يعني تنقية الأجواء بينهما.
على أية حال، عدو أو خصم الإخوان جاءهم و الشيخ يوسف القرضاوي لا يزال لاجىء سياسيا و هو أمر يضعها في حرج شديد رغم ترحاب الدوحة منذ سنوات بقدومه قبل أن تتقدم به السن و هو صاحب المداخلات الدينية التلفزيةالساخنة و بعض الفتاوى المثيرة للجدل. لا أحد يعلم إن كان فعلا الأمير الشاب قد تبرأ أو تنصل من الإخوان لكن لربما جرى حديث في الكواليس منذ أشهر أو أسابيع بين الزعيمين لمعالجة ملف الإخوان ممن تبقى منهم من المسجونين و المنفيين بعد أن قطعت جذورهم على أساس بدء صفحة جديدة من التاريخ السياسي لمصر خصوصا و أن الرئيس المصري الحالي دعا إلى حوار داخلي ديمقراطي مع من تبقى منهم و مع بقية أطياف الشعب المصري. و يروج البعض كذلك أن تركيا تنظر بفتور الآن إلى موضوع التيارات الإسلامية سواء إخوان مصر أو تونس و هم قيد المحاكمة أو إخوان ليبيا. و أما السودان فقد هوى فيه حكم البشير و تحولت السلطة إلى الجيش أيضا بعيدا عن حكم الإخوان كذلك. و يبدو أن وجهة العالم الإسلامي هي إقصاء الإخوان بعد الحكم عليهم بالفشل السياسي نحو مزيد من عسكرة الدولة مع تغليفه بشيء من الديموقراطية الشكلية و يبدو أن الدولة العميقة كالأخطبوط الذي يصعب قطع أوصاله. و في ذات السياق، قادت الدوحة لعدة سنوات و على أرضها، مفاوضات بين حركة طالبان و الأمريكان و أسفرت عن نتائج جيدة بأن غادر المحتل الأمريكي أرض أفغانستان و عادت الحركة في ثوب جديد للحكم. فمن يدري قد تكون ثمة طبخة سياسية تجهز في الكواليس مع بدء التقارب التركي السوري من جديد على أعلى مستوى و مع دنو القمة العربية المرتقبة بالجزائر. و التي قد تستعيد فيها سورية عضويتها من جديد. و هنا هل سنشهد دورا أكبر أهمية لمصر من ذي قبل و هل ستتحرك الأمة العربية و الإسلامية على طريق المصالحة الشاملة مع تحركات الرئيس أردوغان على أكثر من واجهة و بأكثر من سرعته المعهودة ؟
الجواب هو أن التغيرات الجيوسياسية و الجيوإستارتيجية و الجيوإقتصادية و المناخية في العالم تفرض علينا أن نفهم من نحن ؟ و ماذا نريد ؟ و ما الذي يجب علينا فعله حتى يرد لنا إعتبارنا كأمة لها وزنها في العالم على مستوى الطاقة و الديموغرافيا و الثروات الطبيعية ؟
ذلك أن الحرب الروسية الأوكرانية كشفت لنا عن تماسك و تكتل أمريكي أوروبي في مواجهة روسيا و أيضا عن محور روسيا - الصين - الهند و آخرين من بينهم إيران.
أضف إلى ذلك أيضا أن الدور الأمريكي لم يعد ذلك السيف المسلط على رقاب الجميع بنفس تلك السطوة و الجبروت، فأمريكا تتراجع قوتها شيئا فشيئا و إسرائيل ربيتها تواجه مقاومة تشتد شراستها و إن في الخفاء و تتسع رقعتها يوما بعد آخر مما يبشر بقرب الفرج للفلسطينيين هذا إذا ربطناه بعودة المياه إلى مجاريها بين القاهرة و الدوحة و إذا ما تمت زيارة أردوغان لتل أبيب فإن ذلك قد يعجل بإعادة إعمار القطاع أو يقوي ذلك أكثر في شوكة المقاومة التي تعاني من ضغوط دولية داخلية و خارجية و إن غدا لناظره قريب!.
إرسال تعليق
سياسة التعليقات على موقع الثقافية التونسية.
1. يرجى الالتزام بالتعليق على الخبر أو التقرير أو المقال نفسه ، والابتعاد عن كتابة تعليقات بعيدة عن موضوع الخبر أو التقرير أو المقال.
2.يرجى الامتناع نهائيا عن كتابة أي عبارات مسيئة أو مهينة أو أي كلمات تخدش الحياء أو تحمل سبا وقذفا في أي شخص أو جهة أو تحوي معان مسيئة دينيا أو طائفيا أو عنصريا