ما هي أهمية قمة تيكاد بالنسبة لتونس و لإفريقيا في ضوء الحديث عن الفلسفة و الإدارة اليابانية الحديثة ؟ بقلم ياسين فرحاتي- ما هي أهمية قمة تيكاد بالنسبة لتونس و لإفريقيا في ضوء الحديث عن الفلسفة و الإدارة اليابانية الحديثة ؟ بقلم ياسين فرحاتي-

ما هي أهمية قمة تيكاد بالنسبة لتونس و لإفريقيا في ضوء الحديث عن الفلسفة و الإدارة اليابانية الحديثة ؟ بقلم ياسين فرحاتي-

 




 
            بقلم ياسين فرحاتي- 


 

إحتضنت تونس بوابة إفريقيا،  للإستثمار و الشراكة مع اليابان مؤتمر " طوكيو الدولي الثامن للتنمية في إفريقيا "، تيكاد 8 في غضون يومي 27 و 28 أوت 2022، بحضور 5 آلاف مشارك من اليابان و القارة الإفريقية. عو قد كانت الاستعدادات على مستوى منذ أشهر قليلة و خصوصا الومضات الإعلانية للتعريف بالقمة. و ستتواصل إلى غاية 2 سبتمبر في إطار الفعاليات الرسمية كما صرحت بذلك رئيسة لجنة المحتوى و الفعاليات الموازية للجنة الوطنية لتنظيم مؤتمر تيكاد 8 مفيدة جاب الله في تصريح إذاعي. و قد إقترح الطرف الياباني تنظيم الفعاليات الموازية الإقتصادية خلال الفترة المرتدة بين 1 سبتمبر و ال30 من نفس الشهر، و ستركز على التجديد و الابتكار في عديد القطاعات كالصحة و الفلاحة...و تهدف إلى بناء تعاون ثلاثي تونسي إفريقيا ياباني ( مقتطف من مقال لهناء السلطاني ). و للتعريف أكثر بتيكاد فقد أعطيت إشارة الانطلاق لهذا المؤتمر في عام 1993، بغرض توفير منصة لحشد الدعم لتنمية إفريقيا. و قد أكد المشاركون في ختام قمة تونس على ضرورة تطوير تيكاد مع سعي إفريقيا لتحقيق تطلعاتها التنموية المتصورة في أجندة 2063. و لفت المجتمعون في المؤتمر النظر و الإنتباه إلى وباء كوفيد-19 و آثاره الإقتصادية و السياسية و البيئية و الإجتماعية غير المسبوقة و ضرورة الحرص على " الإستثمار في البشر " و ذلك من خلال التربية و التعليم. و قد صدر عن أشغال مؤتمر طوكيو الدولي الثامن للتنمية في إفريقيا، " إعلان تونس " و المتهم ل3 أركان أساسية سيتم العمل عليها خلال السنوات القادمة و هي :
- تحقيق التحول الهيكلي من أجل النمو الإقتصادي المستدامة و التنمية الاجتماعية؛
- تحقيق مجتمع مرن و مستدام؛
- تحقيق السلام و الاستقرار المستدامة. ( عن مقال صادر بجريدة الشروق في ختام ندوة طوكيو سنة 2022). إفريقيا، ثمة تعهد ياباني بإستمرار 30 مليار دولار للتنمية في هذه القارة السمراء كمساهمة في " نمو مقترن بالجودة " حسبما أعلن السبت رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا في إفتتاح " ندوة طوكيو الدولية للتنمية في إفريقيا " ( تيكاد ) المنعقدة في تونس. و تسعى طوكيو إلى مواجهة النفوذ الصيني المتنامي في إفريقيا من خلال تعزيز " تنمية يقودها الأفارقة بأنفسهم " ( عن تقرير لقناة فرانس 24 ).
و ما يهمنا كبلد محتضن لهذه القمة هو جملة القرارات المتخذة المتمثلة في : 
- الإعلان عن مشاريع طبية و رعاية صحية;
- 3 إتفاقيات و 100 مليون دولار حصة أولية لتونس من " تيكاد 8 " ( عن مقال صادر بموقع العربي )؛
- الإتفاق على إنتاج سيارات كهربائية و تحلية المياه و مشاريع تخص تحويل الفسفاط إلى مواد أخرى.
إلا أن نجاح الندوة تنظيميا لا يعني أن مخرجاتها هي كذلك بل يجب إنتظار بداية إنجاز المشاريع و من المهم الإشارة إلى الفتور الذي قد يصيب علاقاتنا بالمملكة المغربية على هامش إستقبال ممثل عن جبهة البوليزاريو التي تتمتع بحكم ذاتي و ربما فتح جرح صغير و يجب أن يبرأ بسرعة.
لكن تطبيق بنود الاتفاقيات في إطار هذه الشراكة الاستراتيجية تحكمه عدة ظروف رغم أن الجانب الياباني كان في ما مضى في مستوى الآمال و الطموحات و له أكثر من إنجاز كبير خصوصا في قطاع السدود و الجسور و الطرقات أي البنية التحتية على غرار جسر رادس.
إلا أنه لا يمكن فهم  الدور الحضاري الكبير الذي تلعبه اليابان اليوم ، من دون تقديم تاريخي و جغرافي و سياسي لهذا البلد العريق و الحديث  عن  فلسفته و ثقافته و أدابه و عن  علم الإدارة الحديث و علاقته بالاقتصاد.
اليابان و تعني هذه الكلمة مصدر الشمس أو مشرق الشمس، هي بلد يقع في شرق آسيا، بين المحيط الهادى و بحر اليابان، و شرق شبه الجزيرة الكورية. أطلق الصينيون على البلاد إسم أرض مشرق - منبع - الشمس و هذا لقوها في أقصى شرقي العالم المأهول آنذاك. و اليابان هي أرخبيل متكون من حوالي ثلاثة آلاف جزيرة. و تعد كيوشو، شيكوكو، هونشو و هوكايدو أكبر الجزر اليابانية. و يقع البلد على حزام ناري معرض بإستمرار للزلازل. بعد إعتماد الدستور في عام 1947 تحول النظام في اليابان إلى نظام ملكي دستوري يضم أمبراطورا و برلمان منتخبا. 
لا يمكن تفسير المستوى الحضاري الذي وصلته اليابان  اليوم، من دون الحديث عن دور الفلسفة و الثقافة و التراث فعلم الإدارة مرتبط بالتطور العلمي و التقدم التكنولوجي.
حظي مفهوم الحضارة كظاهرة إجتماعية  بتعريف خاص لدى المفكر الجزائري الذي يوصف كونه مظلوما في بلده، مالك بن نبي كالآتي : 
" الحضارة = إنسان + تراب + وقت " دون إغفال للمسألة الدينية و نضيف أيضا تعريفا آخر للمفكر الأمريكي اليهودي صاموئيل هانتنغتون يربط فيه الحضارة بالثقافة عندما يقول : " الحضارة كيان ثقافي ". و قد أردنا هذين التعريفين بغاية التمهيد للحديث عن الفلسفة اليابانية. إذ تعرف كونها مزيجا من الشنتو (  و تعني طريق الآلهة:  ديانة ظهرت و تطورت في اليابان - و التي تركت أثرا بالغا في التفكير الياباني ) المحلي التقليدي و من الديانات القارية مثل البولية و الكونفوشيوسية. و في السابق تأثرت بشدة بكل من الفلسفتين الصينية و الهندية، كما هو الحال مع الميتوكاغو و الزن ( هي طائفة من الماهايانا البولية يابانية، تفرعت عن فرقة "تشان " البولية الصينية، يطلق اللفظ أيضا على مذهب هذه الطائفة. و يتميز أتباع هذا المذهب بممارسة التأمل في وضعية الجلوس - زازن - كما يشتهرون بكثرة تداولهم للأحوال المأثورة و العبر ( كوآن ) ( المصدر : موسوعة عريق على الإنترنيت ). و من المفيد جدا التعريف ببعض رموز الفلسفة و الثقافة و التنوير في اليابان، حيث تقدم لنا بعض مصادر المعلومات تعريفا لكاتو - شو إيتشي و هو واحد من ألمع نجوم الشاشة الصغيرة و مثير للجدل. فهو طبيب و مؤرخ ثقافات و أفكار و هو أيضا رئيس تحرير موسوعة اليابان. و قد إشتهر في اليابان بمواقف النقدية و إستقلاله الفكري ( المصدر : مجلة نزوى على شبكة الإنترنيت ). 
  نشر موقع الموسوعة الجزائرية للدراسات السياسية و الإستراتيجية مقالا مطولا عن " فلسفة الإدارة اليابانية الحديثة : النظرية أم التنظيم ؟ " بقلم الدكتور محمد بغدادي، حيث يفتتح الكاتب بحثه بالقول إن " كل حضارة تقوم بناء على إدارة. و ضرب مثالا على ذلك بالفيلسوف الروماني شيشرون الذي يقول بأن " الحضارة الرومانية ما كان لها أن تشيد بدون الإدارة العامة ".
ثم يواصل الأستاذ البغدادي مقالته بالتأكيد على أن دولة اليابان قد لعبت منذ السبعينيات دورا إقتصاديا عالميا مركزيا بعد الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تمكنت من تجاوز دمار الحرب العالمية الثانية و أعادت بناء نفسها بفضل الروح الوطنية و الانضباط الذاتي لكل مواطن. و يجدر بنا هنا الإشارة و التأكيد على سبعة نقاط تميز ثقافة اليابانيين الذين يشتهرون بالعمل لساعات طويلة دون كلل أو ملل إلى الأمور التالية : 
- الكثير من المقابلات أثناء إنتداب الموظفين و الإطارات الشغيلة؛
- سهولة عثور اليابانيين على فرص عمل؛
- اليابانيين جادون للغاية؛
- عدم إحترام مواعيد الإجتماعات؛ 
- مشكلات صحية تنجر عن كثرة ساعات العمل؛
- و أخيرا الإهتمام برفاهية المواطنين.
كما كان لتطبيق الجودة الشاملة، و حسن توظيف و إستغلال الثورة التكنولوجية خصوصا صناعة الروبوتات في جميع الميادين الأثر الجيد و الطيب حيث تعد اليابان من ضمن الثمانية الكبار الأكثر تصنيعا في العالم.
لقد خلقت اليابان نظاما إداريا كن طراز رفيع جدا مضمونه الارتقاء بالإدارة دون الإنسلاخ عن الجذور أو الهوية أو الثقافة أو التاريخ العريق، حيث يعتبر المؤرخون أن تاريخ البلاد المعاصر يبدأ مع عصر ميجي وهو العهد الذي يلي النظام الإقطاعي للساموراي، حيث وضعت فيه النهضة الحقيقية في اليابان في جميع المجالات. 
إن الفرد الياباني يقدس العمل و التفاني و الإخلاص فيه و يكره الخمول و الكسل و يميل إلى الإقتصاد في المعيشة حيث يدخل من 20 % إلى 40 % من دخله.  كما أن العامل الياباني ينبذ الأنانية و يحبذ العمل الجماعي و ينفر من الظهور أو التسلق على ظهور الآخرين. 
من جهته يشير ياماشيما من جامعة كيوتو وهو أحد أشهر المختصين اليابانيين في علم الإدارة عندما سئل عن سر نجاح التجربة اليابانية فأجاب أن الإعتقاد السائد هو أن اليابانيين يعملون أكثر و لكنهم في الحقيقة يعملون أفضل، إنهم كغيرهم يعملون 43 ساعة في الأسبوع أي 2000 ساعة في العام بينما يعمل الكوريون 3000 في العام بزيادة الثلث، و ليست هناك معجزات و خوارق، لأن العامل في اليابان يتفوق على زميله في أوروبا الغربية و الولايات المتحدة الأمريكية. و يردف قائلا " إن الجامعة و المدرسة هما القوة الضاربة لليابان و أما الذخيرة فهي الانضباط الذاتي على مستوى الفرد، و الجماعة، و المؤسسة، و المجتمع بأكمله.
في ختام مقالتنا أملنا كبير في أن تستفيد بلادنا جيدا من شراكتها مع دولة اليابان و أن تحذو حذوها شأنها شأن كل قارة إفريقيا في شتى المجالات و أن نؤسس لدولة عادلة و نظيفة يحلو فيها العيش المشترك و الكريم.

التعليقات

سياسة التعليقات على موقع الثقافية التونسية.
1. يرجى الالتزام بالتعليق على الخبر أو التقرير أو المقال نفسه ، والابتعاد عن كتابة تعليقات بعيدة عن موضوع الخبر أو التقرير أو المقال.
2.يرجى الامتناع نهائيا عن كتابة أي عبارات مسيئة أو مهينة أو أي كلمات تخدش الحياء أو تحمل سبا وقذفا في أي شخص أو جهة أو تحوي معان مسيئة دينيا أو طائفيا أو عنصريا

أحدث أقدم

إعلانات

إعلانات