جهاز عروسة من بني خلّاد: أمّ العروسة تحتفي بتراث جهتها بشغف الأمّ وهاجس الفنّانة المعاصرة جهاز عروسة من بني خلّاد: أمّ العروسة تحتفي بتراث جهتها بشغف الأمّ وهاجس الفنّانة المعاصرة

جهاز عروسة من بني خلّاد: أمّ العروسة تحتفي بتراث جهتها بشغف الأمّ وهاجس الفنّانة المعاصرة


الدكتورة فاطة بلغيث معتوق






لماذا هممت بتثمين جهود هذه الأمّ والصديقة "يسر محمود" وليس من عاداتي الكتابة إلّا إذا حرّكني شيئ ما يشبهني ؟

حرّكني في الواقع هذه المرّة "الشغف" الصادق الذي لمحته في نفس أمّ العروسة وهي تحيي الساكن بدواخلنا 

كلّ تفاصيل مراسم تحضير الجهاز كانت مبهرة على موقع التواصل الفايسبوك. إذ عمدت أمّ العروسة مشاركتنا ذلك على الموقع الاجتماعي من باب التواصل الجمعيّ/ الثقافي وليس من باب التبرّج، والتكبّر، والفخر بظروف العائلة الماديّة كما حدّثتني.  وكان هاجس إحياء تراث عروسة بني خلّاد "الزمنيّة" بكسر الزاي، كما نقول بلغتنا العاميّة التونسيّة أي الأصيلة واضحا من خلال نشر صور توثيقيّة و(فيدوهات) لحظات التطريز وحياكة "الحزام" و"البلوزة" و"القفطان" و"الجبّة" و"الكبّوس" و"السوريّة" لحظة بلحظة  . ففي حين هناك من يقضون شؤون حفلات أعراسهم بال،كتمان بعيدا على أعين الناس مخافة العين الحاسدة والّلسان النمّام وإمكانيّة إبطال الحفل، انطلقت "يسر" بروح يسيرة كالهواء الخافت تنشر لنا مراسم التحضير للجهاز كما لم نشاهده من قبل. وكانت هذه الجملة لا تفارق الأمّ طيلة الجري حثيثا "ماشاء الله وبسم الله على بنيتي وصلّي عالنبيّ" و"نشالله تبدا فيها مرتاحة بنيتي"...كانت هذه العبارات تحيي يا "يسر" و تدخل عليّ انتشاء مادّي وغير مادي افتقدته منذ زمن قريب. أنت الأمّ التي تراود كلّ عروسة وتتمنّاها، لكن ليس كلّ أمّ قادرة على توفير هذا الشغف، لولا وجود أب العروسة الذي سخّر من ماله وجهده لتكون عروسة مهجته، وابنة أبوها على غير العادة والعوايد وأيضا لولا قبول العروسة بارتداء التراث الضارب في التاريخ من الجهاز، فكما نعلم فإنّ بنات العصر يملن نحو "الستايل اللبناني" وتصميمات "إيلي شويري" و" لويس فيتون" وما تصدّره لنا تركيا من فساتين العصر الهارب منّا...هنيئا للعروسة بكما وهنيئا لها زيجة العمر.                                               

                                                                     

                                                                                                         

كان كلّ شيء يوحي بالحضارة الممتدّة في عمق المعاصر خلال حفل الزواج بأيّامه ولياليه السبعة . ليس هناك هوّة بين التراث والمعاصر لأنّ أمّ العروسة هي في حدّ تكوينها امرأة شغوف حداثيّة الهوى وأصيلة الضمير والهاجس. بدت فساتين العروسة فرحة، ترقص على قدميها قبل أن تكتمل ويقع لبسها. شغف كبير في طريقة تطريزها على يد حرفيّات كبيرات في السنّ قد لا ندرك قيمتهنّ إلّا إذا وقع توثيق أيّام التحضير هنا وهناك في ربوع مدينة بني خلّاد الساحرة مدينة القوارص والفواصل والتراث الذي لا ينتهي وحرفيات بني خيار أيضا والمعمورة، كلّهنّ نساء الوطن القبلي الشامخ.                                                







 أبهرتنا تحضيرات الأمّ للجهاز والتي بدأت وهي في طور شراء الخيوط الثمينة للحزام ومن بعد مرحلة رشمها ورسمها على الورق بزخرفات الطربوش والكسوة والفوطة والبلوزة القديم الذي لم يعد له صورة اليوم في جهاز العروسة المعاصرة بنت وقتها. "يسر محمود" هذه الأمّ التي وزّعت علينا شغفها بتحضير جهاز ابنتها العروس مجانيا كانت بمثابة الأيقونة التي لم أشاهد مثلها في حياتي. لست أدري من كان محظوظا أكثر من غيره: هل ابنتها العروسة المدلّلة؟ أم العريس الذي حظي بحماة لن تتكرّر مرّة أخرى أم ربّما هذا الجهاز الذي تمّ تفصيله غرزة غرزة في سياق من الأصالة/ المعاصرة.                        

                                         

"حين تكون الأمّ شغوفا ذات كاريزما وحضور فإنّ نسل ابنتها وبطنها لن ينجب سوى امرأة على غرار الجدّة"

أنهي هذا النص القصير غصبا عنّي لضيق الوقت وكثرة المشاغل بهذه الجملة التي تفتح نفس هذا النص على الرؤى المتعدّدة في زمن التعدّدية الثقافية. في انتظار أوّل مولود للعروسة بإذن الله ننتظر طقوسا جديدا لتحضير جهاز أوّل حفيد ل "يسر محمود" الأم الشغوف بها أصالة وتراثا ومعاصرة منذ عرفتها فنّانة وجامعيّة في المعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة.                                                       

                                                                                  

     

                   


    



نماذج لباس التراث الأصيل. من هنا اقتبست الأمّ تفاصيل جهاز ابنتها خطوة خطوة 



صورة رائعة : "الرشّامة" نجاح جديدي (من ترشم نموذج الطريزة) والطرّازة من بني خيار 

العروسة والجدّة جيل من السنوات والعمر والتراث والعصر


التعليقات

سياسة التعليقات على موقع الثقافية التونسية.
1. يرجى الالتزام بالتعليق على الخبر أو التقرير أو المقال نفسه ، والابتعاد عن كتابة تعليقات بعيدة عن موضوع الخبر أو التقرير أو المقال.
2.يرجى الامتناع نهائيا عن كتابة أي عبارات مسيئة أو مهينة أو أي كلمات تخدش الحياء أو تحمل سبا وقذفا في أي شخص أو جهة أو تحوي معان مسيئة دينيا أو طائفيا أو عنصريا

أحدث أقدم

إعلانات

إعلانات