استعادة واستعداد للإبهار في صالون "جلّنار" بقلم: إيمان طهاري/ دكتورة في علوم وتقنيات الفنون استعادة واستعداد للإبهار في صالون "جلّنار" بقلم: إيمان طهاري/ دكتورة في علوم وتقنيات الفنون

استعادة واستعداد للإبهار في صالون "جلّنار" بقلم: إيمان طهاري/ دكتورة في علوم وتقنيات الفنون



استعادة واستعداد للإبهار في صالون "جلّنار"


بقلم: إيمان طهاري/ دكتورة في علوم وتقنيات الفنون

متعاقدة بالمعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس









استعادة فاستعارة..

"جلّنار".. هو العنوان الذي أطلق على صالون صفاقس السنوي في دورته السابعة والعشرون، تحت إشراف المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بصفاقس، والذي انطلقت فعالياته عشية يوم الأربعاء 30 مارس 2022 بقاعة الأفراح والمؤتمرات البلدية بصفاقس ويتواصل إلى حدود يوم 16 أفريل 2022، بعد موسم غياب حتّمته الظروف الوبائيّة المتّصلة بجائحة "كورونا". تسمية عكست مراوحة بين مفهومي الاستعادة أوّلا التي كانت شعار فعاليات دورات "الصالون" في سنواته الأخيرة، في فعل كان بمثابة لمسة وفاء لثلّة من مبدعي الجهة في الشعر والأدب وتكريم لمشوارهم الزاخر بالعطاء الفني الأدبي، ليكون للشاعر والروائي التونسي "عبد الجبار العش" نصيب من الذكر في هذه الدورة، والاستعارة ثانيا، بتوظيف عنوان قصيدته "جلنار" لعنونتها.

وعليه، وسمت العنونة صفة الرمزية التي كرّست في صلب استعارتها مقصدية استعاديّة بالأساس لا محدّدة لمنهجيّة تكون فيها لازمة مع كل ممارسة إبداعية ومعيارا تقييميا، كما شهد على ذلك شاهد من القائمين على "الصالون" ومنسّقيه. يبدو هذا واضحا وجليّا في مستواه الشكلي، لكنّ المتمعّن في مضمونه الفني الإبداعي وبعد جولة في رحاب فضاء العرض وتأمّلات عميقة في الأعمال التشكيلية المختلفة والمتنوعة فكرا وممارسة، يتراءى له غوص في صلب معنى "جُلّنارِ" "عبد الجبار العش" في موضوعها أو في كلامها، في شكلها أو في مضمونها، في بحرها أو في قافيتها أو في تفعيلتها وموسيقى إيقاعيّتها، وإن قصد الفنان التشكيلي ذلك أو لم يقصد فتأتي عفوية وبكل تلقائيّة.

استعارة "جلّنار" فإبهار..

اجتمع ما يقارب المائة عمل فني تشكيلي تحت عباءة "جلّنار"، بين لوحات زيتيّة ومائيّة ومحفورات مطبوعة ورسومات تعابير خطيّة وتماثيل نحتيّة خشبيّة أو خزفيّة أو نسيجيّة أو رخاميّة أو متعدّدة الخامات امتزجت فيها المواد واستحضرت فيها المعادن، وأعمال حروفيّة وأخرى خزفيّة حضرت في حلّة كلاسيكية أو معاصرة عُرضت في شكل تنصيبات وثّقت عبر فن الفيديو، وصور أعمال فوتوغرافية وأخرى رقميّة تجسّدت ببرمجيات حاسوبيّة، وغيرها من التمثلات التشكيلية المختلفة التي تجلّت فيها التقنية منفردة أو مزدوجة في إطار تداخل الاختصاصات الفنية، لتبرز الممارسات الجمالية في حلل بهيّة بصيغ مبتكرة عبّرت عن مراوحة خلاّقة بين القديم والجديد أو بالأحرى بين الكلاسيكي المرسّخ للمبادئ الجماليّة البصريّة وبين الحداثي متجليّة في بوتقته ملامح الانطباعيّة والوحشيّة والتكعيبية والتعبيريّة والسرياليّة والتجريدية هندسيّة أو غنائيّة والبنائيّة وغيرها من المرجعيّات الفنيّة، التي حضرت بقوّة وتبيّنت ملامحها وسياقاتها كلّما تقدّمت خطانا متجوّلة في أركان فضاء تواجدها، وبين المعاصر الذي استغلّ فيه بعض الفنانين المشاركين الوسائل التقنية المعاصرة بإمكاناتها وخياراتها المتفرّدة، لخلق أعمال بصرية مواكبة للتطوّرات التكنولوجيّة، بحذق واحترافية.

إنّه لحفل فني تعدّدت فيه التقنيات والمواد والمراجع والأفكار والرؤى والمفاهيم والممارسات، كانت فيه "جلّنار" قادحا للإلهام الفنانين. ولنا أن نتساءل في زمرة هذه الأفعال التشكيليّة المختلفة أداء وحضورا، عن كيفيّة تمثّل "جلّنار"، خاصّة وأنّ التعريف الاصطلاحي المباشر للفظ في القواميس والمعاجم العربيّة، يشير بكونها "زهرة الرمّان".

اتّخذت "زهرة الرمّان" عديد التأويلات حسب ميولات الفنان ورؤيته الفكرية والفنية، وقامت في مناسبة على التوجّه المباشر نحو "الزّهرة" دون تمثيلها تمثيلا واقعيا. انخرطت عديد الأعمال الفنية في بوتقة هذا الفعل، ومن بينها العمل الرّقمي "inspiration fructueuse" لـ"إيمان المعلول" وتمثّلت فيه "الزهرة" في انسيابيّة خطية انصهر فيها الشكل مع الخلفيّة بحركية شكليّة وألوان ذات رمزيّة، أو في حفريّة الفنانة "فاطمة دمّق" وعنوانها "أزهار الخير" المتكوّنة من سلسلة أعمال خماسية العدد والتي عدّت من بين الأعمال المميّزة والمتفرّدة في الفكرة وكيفية تطبيقها، واكبت "جلنار" في سياق أعلنه عنوان العمل من ناحية وممارستها التشكيلية من ناحية أخرى. عمل كان فيه التوليد والتوالد الشبكي التجريدي والتفريع والتشابك والتواشج والتركيب والتراكب، مفاهيم أساسيّة في البنية الشكليّة التي قامت بالأساس على التضاد بين العالم الباطن والعالم الظاهر وبين الجلي والخفي وبين الكل والجزء وبين القريب والبعيد وبين السالب والموجب وغيرها من التباينات التشكيلية، جعلتنا نبحر في عوالم سرمدية خيالية لا مرئيّة بألوان مشبعة ومشعّة عمّق إيحائيتها سواد قاتم أقرّ عمقا وطّد العلاقة العضوية بين الشكل والخلفيّة، فجعلتها حميميّة ذات إيقاعيّة تعبيريّة.

ركّزت الفنانة التشكيلية "فاطمة دمّق" على التفاصيل والجزئيات الدّقيقة لهذه "الزهرة" بتفرّعاتها الظاهرة والباطنة. ولم تكن الفنانتين "منال علولو" و"مكيّة الشرمي" على سبيل الذكر لا الحصر، بمعزل عن ذلك وإن صوّبتا وجهتيهما نحو اللامرئي على حساب المرئي. هو تصوّر آخر للمسألة المطروحة، كانت فيه الحياة المحجوبة عن الأعين محلّ اهتمام تشكيلي. فبين لوحتي "منال علولو" "Chloroplaste" و"tissu cellulaire" وبين خزفيّة "مكيّة الشرمي" "fragmentation cellulaire"، كانت الخليّة والحياة المجهريّة كما تعكسه التسميات المطلقة عليها، مفاهيم انشائيّة مشتركة بينهما لعب فيها الشكل الدّائري الدور الرّيادي في التركيب الشكلي. تكوينات منتظمة دقيقة التوزيع تولّدت بتكرار هذه المفردة التشكيلية في تسلسل ذي إيقاعيّة تواتريّة متتالية ومتتابعة ومتضاعفة إلى ما لا نهاية، تحوّل فيها الشّكل البسيط في الفضاء التشكيلي من نقطة إلى نقطة أخرى وفق منطق شبكي انسيابي أو هندسي، اختلفت فيه الأساليب التقنية والخيارات اللونية بين فنانة وأخرى مستجيبة لميولات الذات ومقاصدها وسلطة المادّة وطبيعتها، في تعنّتها وطواعيّتها.

هكذا تكون الدّائرة والتكوينات الدائريّة محورا جوهريا من محاور "جلّنار" وخيارا تشكيليا جعل من الإيحائيّة والرمزية مفاهيم أوّلية. هو على هذا النّحو، اختزال وتبسيط للشكل بأسلوب تعبيري تجريدي خالص، في سياق اتّضحت معالمه في عديد الممارسات الإبداعيّة ومن بينها نستحضر تنصيبة "La plage-jardin surréaliste" للفنان "كمال الكشو"، أو لوحة "tourbillon de plaisir" للفنانة "هيفاء عبد الهادي" أو فسيفسائيّة "السالب/موجب" للفنانة "نسرين الغربي" أو منحوتة "condensation des noyaux" الخزفية لصاحبتها "مكية الشرمي"، والأمثلة في هذا السياق عديدة. ومن ثمّة، وجد هؤلاء في الشكل الدّائري ملاذا جماليا اختصر فيه الشكل واللون كذلك في ألوان محدودة ودرجات خفيفة، أنتجت ملامستها للشّعاعات الضّوئية خصائص بصريّة جديدة حرّكت بتفاصيلها ومكوّناتها التشكيلية المشاهد ودعته إلى الغوص فيها والإبحار في نتوءاتها وملئها وفراغها وتحسّس مادّتها والانصات إلى صوتها الداخلي. فوراء كل ممارسة سرّ خفيّ تحدّثت فيه بلغتها التقنية والأدائيّة الخاصّة، في بحث عن خطاب فنيّ موجّه وناجع يحمل مع كلّ فعل فنيّ، جانبا من الإضافة.

تواصلت معالم الرمزيّة والدلاليّة في أعمال "جلنار" التشكيليّة، فكانت الطبيعة مفهوما اشتغل عليه عديد الفنانين اللذين ربطوا مصطلح "جلنار" بموضعه الأصلي. وهي لقراءة أخرى من بين القراءات المتّجهة صوب التّسمية، أثمرت ممارسات إبداعيّة متعدّدة ومتنوّعة ومختلفة.

يشدّ الزّائر في هذا السياق، مشهد الطبيعة في لوحة "pointillisme" للفنان "علي الفندري"، الموجودة في مقدّمة فضاء العرض، بتفاصيلها المرجعيّة وحنينها إلى ماضي كانت فيه أعمال "Signac" و"Seurat" ملهما فنيا. فهي عودة إلى المدرسة الانطباعيّة واستحضار للتنقيطيّة تحديدا في موضوعاتها وتقنياتها ومميّزاتها الشكليّة واللّونية. عمل جسّد ملحمة بين الشّكل واللّون الصّافي النقي والضوء والنقاط الصغيرة المتعدّدة والمتقاربة، أقرّت في بوتقة الفعل صورة ضبابيّة استفزّت العين عبر المزج الوهمي للألوان وإن كانت شبه أحاديّة. كما كانت الطبيعة محور اهتمام الفنانة "انتصار الزريبي إدرس" في مجموعة أعمالها "عالم رمادي" التي انخرطت في سجلّ التعبيرية الخطية، جسّدتها بخربشات أقلام حبر بحذق واتقان مفعم بتلقائيّة وحساسيّة. ورغم حضور المشاهد الطبيعة تامّة عند بعض الفنانين المشاركين، في رسومات حديثة واقعيّة أو انطباعيّة أو معاصرة استحضرت "فن الأرض" (Land art) كما كان في تجربة الفنان "كمال الكشو" التي تمثّلت فيها التنصيبة الخزفيّة في البحر، فقد استغل البعض الآخر بعض عناصرها في تأثيث عمله التشكيلي، كما كان في عمل "نجيب بوصبّاح" "la centauresse blonde"، حيث استحضر هذا الفنان الأوراق النباتيّة وجعلها عنصرا أساسيا من عناصر المشهد السردي السريالي الذي صوّره للحياة اليومية، وإن طغت عليه ملامح التشخيصيّة وامتزجت فيها مراجع تمثيليّة فنيّة مختلفة ومتداخلة اجتثّ منها نزعة ذاتيّة.

بالفعل، برزت "التشخيصيّة" بصورة بارزة في "جلّنار"، في احتفاليّة طريفة بالجسد اتّخذت عديد التعابير التشكيلية والتصوّرات الفنية التي عادت إلى أصل التسمية. ففي التأنيث، وجد عديد الفنانين ضالّتهم في واقع ركّزوا فيه على السياق اللغوي العام الذي يدور في فلكه المصطلح. ومن ثمّة، حضر الجسد الأنثوي في تجارب تشكيلية بتفاصيله البنيويّة في لوحة "l’inachevé" لـ"حلمي الجريبي" أو في لوحة "les baigneuses" لـ"كميليا بلقروي" أو في منحوتة "الطاهر عبيد" "امرأة ترضع ولدها"، وهي أعمال تحدّثت بلغتها التشكيلية الخاصّة بها في كلّ تجربة ذاتية وإن تشاركت في انطلاقتها المفهوميّة. وفي سياق ثاني، حضر الجسد الأنثوي بالغياب مشارا إليه بأغراض متّصلة به كما كان في العمل الفوتوغرافي "rêve" للفنانة "غادة بوزقندة"، عندما حلّ الثوب والحذاء محلّه وأشار إلى حضوره برمزيّة ودلاليّة. وفي توجّه ثالث، طمست أجزاء منه في واقع لعب فيه فنانون على ثنائيّة الحجب والكشف، لتتجلّى بعض ملامح وجه أنثى وعناصر من جسدها في لوحة "اختراق" للفنانة "إيناس كمون" وتختفي أجزاءه الأخرى، أو يتجلّى النصف السفلي للجسد في عملي النسيجي "نصف جسد" ويغيب النصف الآخر بتسلّط نسيجي تقني.

كان للجسد الأنثوي نصيب هام من صالون "جلّنار"، وللجسد الإنساني عامّة كذلك في واقع اتّخذ فيه عديد السياقات التعبيريّة، تشخيصيّة أو رمزية إيحائيّة. تشدّنا في ذلك مجموعة أعمال "عبد الكريم كريم" و"كمال عبد الله" و"هالة الهذيلي" الخطيّة بتعابيرها وتمثّلاتها الفنيّة التي انخرطت في بوتقة التشخيصيّة. وإن تفنّن هؤلاء في إبراز التفاصيل والجزئيات بدقّة واتقان أضافت عليها لمسات كل فنان تعبيريته ونظرته التشكيليّة، فقد عمد آخرون إلى الإيحاءات ليبرز الجسد بهيأته البنيويّة الخارجيّة في مناسبة، كما كان في منحوتة الفنان "سامي بن كحلة" "بدون عنوان" التي كان فيها الخطّ وسيطا بنائيا تشكّلت فيها الأسلاك الحديدية بحرفيّة لتبرز خيالات أجساد إنسانية في انسيابيّة وغنائيّة، أو في رسومات وأعمال فوتوغرافية كانت فيها ظلال الأجساد في مناسبة ثانية مفاهيم إنشائيّة، فتمثلت ظلال الأجساد في لوحة "محمد بن عياد" "La démence collective" على سبيل الذكر في حوارية خلاّقة مزجت بين التّشخيص والتجريد برمزيّة فنيّة.

هي صور تشكيليّة ثريّة ومتنوّعة موضوعا ومادّة وتقنية، أتت على الجسد الأنثوي والجسد عامّة في تمثّلات طريفة ومتفرّدة مع كلّ ممارسة. فبين ثباته وحركيّته وبين تجليّه وتخفيّه وبين بروز ظاهره وإبراز باطنه الذي تجلّى جيّدا في عمل "استعمار مجهري" للفنانة "سعيدة عروس" الذي شكّلت فيه مشهدا اجتماعيا صحيا بأسلوب نقدي فني تشكيلي بطله فيروس "كورونا"، صوّرت علاقته بعضو من الأعضاء الداخلية للجسد الإنساني، يتجلّى واقع تشكيلي ثري ومتنوّع كان فيه الجسد رهانا تصويريا.

قامت عديد الممارسات التشكيلية على قراءة مصطلح "جلنار" قراءة تشكيليّة فنية، وقفت عند التسمية المستعارة للقصيد المرجع المستعاد. ولم يكن جوهره بمعزل عن هذه المفاهيم التي رمز إليها عنوانه، بل تجاوب المتن مع العنوان في معانيه ومفاهيمه المطروحة التي تغنّى فيها الشاعر بـ"الجسد" وبـ"المرأة" وبـ"الظّل" الذي برز في عديد الأعمال الفنية كما أشرنا سابقا، وناشد فيها الطبيعة بعناصرها وموادها من "تراب" و"صلصال" و"طين" و"مطر" و"عشب" و"غصن" و"بحر" كانت دعامة أساسيّة في تكوينيّة عدد من المنجزات التشكيليّة. فإذا ما تلذّذ "عبد الجبار العش" بـ"رائحة التراب بعيد المطر" في أبيات من قصيدة، فقد تفنّن "خليل قويعة" في توظيفه لهذا العنصر الطبيعي في لوحته "ذاكرة الارض" التي انصهر فيها اللون "العسلي" الذي تغنّى به الشّاعر مع المادة في عمل تجريدي هندسي ذي تواتر إيقاعي امتزجت فيه المواد والخامات الطبيعية والصناعية. نفس الشيء بالنسبة لعمل الفنان "عبد العزيز الحصايري" (بدون عنوان) الذي كان فيه "التراب" بحياكاته الملمسيّة والبصريّة شريك الألوان الزيتية في إنشائية لوحته الفنية. وإذا ما كان "الطين" لفظا استعاره "عبد الجبار العش" في تعبيريّة شعرية مجازيّة، فقد كان مادّة أساسيّة في عديد الأعمال الخزفيّة والنحتيّة التي تجلّت في حلّة بهيّة مع كل تجربة تشكيلية ذاتيّة. وإذا ما احتفل هذا الأخير بـ"الألوان المائيّة" وبـ"الرسم المائي" وبـ"البنفسجي" و"الأزرق" و"البرتقالي" في قصيدته، فقد كانت لوحات الرسم الزيتية والمائيّة تقنية أساسيّة حضرت فيها جملة هذه الألوان بمقصديّة وبعفويّة وبإحساس مرهف وتعبيريّة شملت جميع التقنيات الموظّفة في عملية الخلق الفني ومن دون استثاء.

غاصت "جلّنار" "عبد الجبار العش" في حقل المعاجم الاصطلاحية التشكيلية، في مواده وتقنياته وفي مفاهيمه كذلك، فتأسّست عديد الأعمال التشكيليّة مستجيبة لها. عن "الرّقص" عبّر الشاعر بكلماته منتشيا وعنه عبّرت الفنانة "نجوى عبد الكافي" في لوحتها "انبثاق" رسما، بحركة جسم المرأة وحركية طيّات ثوبها المثنيّة وانسيابيّة أشكال خلفيّتها وفي إيقاعيّة لمسة الفرشاة ولطخاتها. وبـ"الصوت" و"الغناء" و"الموسيقى" احتفى، فاحتفت معه عديد الأعمال التجريدية الغنائيّة والتجريدية الهندسية بجملة هذه المفاهيم والتي كان فيها عمل "سميّة الحمداني" "إشعاع موسيقي" خير نموذج تغلغل في صلبها، عبّرت عنه إيقاعيّة التّشابكات الكثيفة والمتعدّدة للخطوط والأشكال المتولّدة عن تواشجاتها وقوّتها التكراريّة التي بعثت موجات موسيقيّة ذات ذبذبة بصريّة. وبـ"النّتوء" و"الفراغ" و"الخيال" وغيرها من المفاهيم اللفظية تغّنى، فتغنّت عديد الأعمال بسياقاتها التعبيريّة، فكانت النتوءات خاصيّة ملمسية بصرية في تمثّلات نسيجيّة وخزفيّة ونحتيّة وغيرها، وكان الفراغ مفهوما انشائيا بارزا في جلّ المنجزات الفنيّة وإن كانت فيها الغلبة للأعمال ثلاثيّة الأبعاد نحتيّة كانت أو خزفيّة، وكان الخيال شعار صالون الفنون مثلما كان شعار "عبد الجبّار"، مكّن الذوات من إبداع وابتكار تمثّلات طريفة ومجدّدة في جلّ الممارسات الفنية التشكيلية التي راجعت الماضي وتعقّلت الحاضر وتفكّرت في المستقبل بجديّة ومسؤوليّة.

هكذا تمثّل صالون صفاقس السنوي للفنون "جلّنار" في هذه الدورة، في إنتاج تشكيلي غزير ومتنوّع مثلما عهدناه كل مرّة، يفتح أبوابه باحثا عن الفرادة والتفرّد والجدّة والتّجديد والتجدّد في الفكرة وفي كيفيّة تطبيقها وعرضها. وقد ترسّخت في الأذهان "جلّنار" "عبد الجبار العش" بألفاظها وأوصافها وكناياتها واستعاراتها وتشبيهاتها، مثلما ترسّخت "جلّنار" الصالون بتعابيرها الفنيّة وتصاميمها الشكليّة وتصوّراتها الفكريّة وسياقاتها النقدية، فكانت رمزا وكوّنت بصمة إبداعيّة.

التعليقات

سياسة التعليقات على موقع الثقافية التونسية.
1. يرجى الالتزام بالتعليق على الخبر أو التقرير أو المقال نفسه ، والابتعاد عن كتابة تعليقات بعيدة عن موضوع الخبر أو التقرير أو المقال.
2.يرجى الامتناع نهائيا عن كتابة أي عبارات مسيئة أو مهينة أو أي كلمات تخدش الحياء أو تحمل سبا وقذفا في أي شخص أو جهة أو تحوي معان مسيئة دينيا أو طائفيا أو عنصريا

أحدث أقدم

إعلانات

إعلانات