كتاب "الزيتونة في الفكر والثقافة"
كتب رضا القلال
شجرة الزيتون نبتت في تونس في عهد الأمازيغ، ووسّع من مساحاتها القائد العسكري الفذ حنبعل في العهد القرطاجني. ترك الرومان الكثير من المعالم الأثرية لعصر الزيتون، وتحوّلت غابات الزياتين بصفاقس إثر اجتياح/ غزوة بني هلال إلى مراع بعد أن عوضت الماشية شجرات الزيتون. وعرفت صفاقس أجمل غاية زياتين في العالم في الفترة الاستعمارية، حتى ان بلفيدير الطويلة كان يعرف "بفسحة الوزراء" القادمين الى صفاقس لاكتشاف الخطوط المتناسقة على مدى البصر لآلاف من شجر الزيتون. وهذه الشجرة هي تراث مشترك بين دول البحر الأبيض المتوسط، وهي الشجرة الرمز لكافة شعوب هذه المنطقة. وهو ما يفسّر الوصف الذي أطلق على البحر الأبيض المتوسط (بحر الزيتون). واختزل وصفها المؤرخ اليوناني سوفوكل القديم في القرن الخامس ق.م. حين قال: "هذه الشجرة الساحرة ذات الأوراق الفضية.
الشجرة الساحرة ذات الأوراق الفضية...
وحول هذه الشجرة، التي ترمز الى الحياة والسلام والمعرفة والحكمة ظهر كتاب جديد بداية هذا العام (2012)، يوثق فعاليات المؤتمر الدولي الأول "الزيتونة في الفكر والثقافة" الذي نظمته جمعية تازامّورت(شجرة الزيتون باللهجة الأمازيغية)، احتضنته جزيرة جربة من 30 نوفمبر إلى 2 ديسمبر 2018. نسّق وقدّم هذا الكتاب، وأهداني نسخة منه، الصديق د.عماد بن صالح، الذي قام صالون الخنساء للابداع بصفاقس، ترأسه الصديقة دنيا الزرلي، باستضافته يوم الجمعة الماضي لتسليط الأضواء على هذا الإصدار العلمي الجديد.
اشتمل الكتاب على 279 صفحة، منها 200 صفحة باللغة العربية و79 صفحة بلغة موليار وشكسبير. وتضمن 17 مداخلة باللغة العربية، ومداخلة واحدة باللغة الإنجليزية، و7 مداخلات باللغة الفرنسية. كلها جاءت بأقلام باحثين من تونس والجزائر وفرنسا وكندا ولبنان وفلسطين والجزائر وساحل العاج وسويسرا والمغرب وإيطاليا وتركيا. ومع ذلك لم تصدر الجمعية كامل المداخلات التي قدمت في هذا المؤتمر.
في هذا الكتاب ساهم باحثون من صفاقس بحزمة من المداخلات نذكر:
الناصر البقلوطي(صناعة النجارة، ونجارة الجبوس بصفاقس: غيض من فيض)- فاتن عبد اللاوي (غابة صفاقس:تراث طبيعي ثقافي حي، جدير بالصيانة والتثمين)- صغيرة بن حميدة (الزيتونة في ثقافة البحّار) - الفة عمار وايمان الطرابلسي الطريقي (Effects of different co-design experiences on consumer-product relationship: case of Tunisian olive oil. آثار تجارب التصميم المشترك المختلفة على علاقة المستهلك بالمنتج: حالة زيت الزيتون التونسي (.
متحف للزيتونة
ومن أطرف المواضيع الواردة في هذا الكتاب/الوثيقة "الأكراد والجبال في أحضان مزارع الزيتون" في إشارة إلى جبال منطقة عفرين في الجزء الشمالي من سوريا. قدّم هذه المداخلة 3 باحثين من فرنسا وكندا. أما المداخلة الطريفة الثانية فهي من لبنان واهتمت بموضوع (شجرة الزيتون وتصاويرها في الطوابعية البريدية)
ومن أبرز الملاحظات التي أسوقها في ارتباط البحث العلمي بالتطبيقات العملية، وفتح نوافذ المستقبل ما طرحه هذا الكتاب على لسان د.عماد بن صالح رئيس جمعية تازامّورت فكرة بعث متحف الزيتونة بجربة لحفظ الذكرة والتعبير عن الهوية. وانا اقترح مد جسور التعاون بين هذه الجمعية وجمعية تونس الزيتونة بصفاقس سيما وانهما يعملان في نفس المجال.
وصفوة القول أبدع الفنان وليد الزواري في تصميم غلاف الكتاب. وجاء الكتاب مراوحا بين الذاكرة والتاريخ والفن والصورة ...وجعلت منه، جملة المواضيع الشائقة، مؤلفا فيه كثير من الامتاع والمؤانسة و"أرضا" تزخر بألوان المعلومات والمعارف. وميزة هذا الكتاب برأيي محاولة جمعية تازامّورت عقلنة كل ما يتعلق بالزيتونة، وهذا ما يذكرنا بمذهب ابن خلدون في التأسيس للتاريخ بوصفه علما عقلانيا.
وسؤالي إلى أي مدى ستبقى الندوات، ونحن ما زلنا في النسخة الأولى للجمعية، أسيرة الحقل المغناطيسي للزيتونة؟ كما أن الكتاب، مثل كلّ الكتب، بحاجة إلى تغذية مرتدّة، لأن النّقد يزيد دوما من حجم الابداع وتألقه.
إرسال تعليق
سياسة التعليقات على موقع الثقافية التونسية.
1. يرجى الالتزام بالتعليق على الخبر أو التقرير أو المقال نفسه ، والابتعاد عن كتابة تعليقات بعيدة عن موضوع الخبر أو التقرير أو المقال.
2.يرجى الامتناع نهائيا عن كتابة أي عبارات مسيئة أو مهينة أو أي كلمات تخدش الحياء أو تحمل سبا وقذفا في أي شخص أو جهة أو تحوي معان مسيئة دينيا أو طائفيا أو عنصريا