ا لطيفة لبصير*
أثار لقاء الفنانة فيروز بالرئيس الفرنسي الكثير من التعليقات، والداعي لهذا اللقاء هو تتويج فيروز بوسام الجوقة في منزلها ببيروت، وعلى هامش هذا الحدث، طفت على السطح كثير من التفاصيل الأخرى على السطح، أهمها ابتسامة فيروز واللوحة المعلقة على الجدار التي تبرز ثلاثة وجوه لفيروز بعينيها الواسعتين وسحرها النادر.
في الأسبوع الماضي، شكلت اللوحة بؤرة التنقيب عن صاحبتها التي تعود للفنانة الكرواتية الراحلة جوستينا سيسي سرسق التي أبدعت في رسم هذه اللوحة، والتي تخفي حقيقة الفنانة الرسامة ذاتها؛ فمنذ زمن بعيد جاءت هذه الفنانة إلى مصر وتزوجت الأرستقراطي اللبناني حبيب سرسق واستقرت في القاهرة مدة عشرين عاما، في أحد القصور التي أممها جمال عبد الناصر،
وضمن حكاياتها الغريبة أن حماتها كانت تمنعها من الرسم مدة من الزمن، إلى أن عادت إلى بيروت وانشغلت بالمعارض التي جابت بها العالم .
كان اهتمامها الكبير بالعيون المتقدة والتركيز على قوة الشخصية من أهم سمات فنها، وقد أبدعت وهي تنجز البورتريهات من خلال العيون الدخانية التي تميزت بها السيدة فيروز في اللوحة بين الأزرق والأسود والأشقر.
عادت الكثير من التفاصيل إلى السطح، منها الإحساس بأننا دوما نرغب أن نسرد ما يحدث في العالم من تفاصيل تظل هي الشاهد الوحيد على الزمن والتاريخ الذي يمر دون أن نستطيع أن نحتفظ به إلا في ذاكرتنا الشاهد الوحيد على التاريخ،
والأدل على ذلك اللحظات التي يمكن أن تنتهي فيها كل الخيوط بالحياة وبشكل أشبه بالصدفة التي لا ينتظرها أحد.
حين ابتسمت فيروز في الصورة التي جابت العالم،
انشد الجميع إلى ابتسامتها هي التي قلما تبتسم، ذلك أنها تداري دوما ابتسامتها التي تبدو كلمعة خاطفة، لكنها في تلك اللحظة بالذات التي ينتظر الكل أن يروا فيروز في أقسى العتمة، تقف شامخة بلباسها التقليدي ونظرتها الخجولة وابتسامتها القوية كمن يمنح الأمل للكثير من الأحداث التي مرت مؤخرا بدءا بالوباء الذي اجتاح العالم، إلى انفجار بيروت الذي كان سببا في سقوط المئات من الأبرياء وتخريب نصف بيروت،
ومن الغريب أيضا أن يتكسر "متحف سرسق" الذي ينتمي إلى عائلة الفنانة التي رسمت هذه اللوحة التي أثارت كل هذه التعليقات والاعجاب.
ابتسامة فيروز التي تخفي خلفها أكثر من ثمانين عاما هي عمر هذه الفنانة الساحرة، جعلت الكثير من النساء يستعدن الثقة في الحياة،
فالعديد من صديقاتي رأين في ابتسامتها روح السعادة التي يمكن أن يستشعرنها في مثل هذا السن، والكثيرون رأوا بأن وقوفها الشامخ يشبه أغنيتها الجميلة "إيه في أمل؟" ، وكأن ما تغنيه فيروز تعيشه في يومها وغدها .
حين أستعيد فيروز وصعودها الشامخ على المسرح، أتذكر دوما كيف كانت تغالب ابتسامتها وكأنها كانت تمنعها من الظهور، وهو ما جعلها في غموض آسر. فحين كنت طفلة، كان أبي يناديني كلما جادت علينا التلفزة بأغنيتها الرائعة "زهرة المدائن"، كي أستمع إليها وأشهد الكورال وهو يعيد الجملة الشهيرة "الغضب الساطع آت..."
ومر زمن طويل على هذه الأغنية التي طبعت بحماسة ما حدث وما يحدث وما سيحدث.
يتفق الجميع على أن هذه السنة 2020 جاءت محملة بحقيبة من الكوارث :فيضانات، حرائق، ميز عنصري، صعود لليمين في أكثر من دولة،
وثالثة الأثافي وباء كورونا الذي جمد العالم وغير الأفكار ومنطق الحياة. في غمرة هذا الكابوس تنبثق ابتسامة فيروز التي قد يرى البعض أننا أسطرناها أكثر مما ينبغي، وتزرع الأمل ولو افتراضيا . ترى هل، على خطى فيروز، ستبتسم بيروت ...هل سيبتسم لبنان...؟
ترى هل سيبتسم عالمنا العربي المثخن بالجراح !؟
* روائية وكاتبة مغربية. عضو الهئية الشرفية لكتاب الثقافية التونسية
إرسال تعليق
سياسة التعليقات على موقع الثقافية التونسية.
1. يرجى الالتزام بالتعليق على الخبر أو التقرير أو المقال نفسه ، والابتعاد عن كتابة تعليقات بعيدة عن موضوع الخبر أو التقرير أو المقال.
2.يرجى الامتناع نهائيا عن كتابة أي عبارات مسيئة أو مهينة أو أي كلمات تخدش الحياء أو تحمل سبا وقذفا في أي شخص أو جهة أو تحوي معان مسيئة دينيا أو طائفيا أو عنصريا