هل سيكون شرق المتوسط ساحة حرب مفتوحة بين تركيا و اليونان؟!
بقلم ياسين فرحاتي -كاتب من تونس.
منذ اسابيع ، و امواج البحر المتوسط متلاطمة و صفوها متعكر عند شرقه بفعل التهديدات المتبادلة بين تركيا و اليونان . اجواء مشحونة بحالة من الغضب و باستنفار شديد و عسكرة للبحر ببالسفن الحربية المنتشرة هنالك، من الطرفين و مناورات و تدريبات حثيثة و اعلام و صحف تواكب الاحداث عن كثب و كان " الحرب وشيكة و الايدي على القلوب" .لفهم جوهر العداء بين تركيا اردوغان و بلاد "مهد الفلسفة"، لا بد من العودة قليلا الى الوراء .
ان تركيا في اغلب الاوقات كانت في خلاف حاد مع اليونان بسبب قبرص منذ عديد السنوات ثم ينضاف هذا المعطى الجديد الذي محوره التنقيب عن النفط في شرق المتوسط ، و "شرق المتوسط" هو عنوان رواية مهمة جدا للكاتب و الدكتور عبد الرحمان المنيف . الاشكال يبدو في ظاهره متعلقا بالصلاحية و الاحقية في استخراج الطاقة حيث يدافع الجانب التركي بقوة عن مصادر ثروته الطبيعية و يعتبر ذلك من مشمولاته في اطار حدوده الجغرافية البحرية و امرا سياديا لا يمكن التراجع او التخلي عنه فيما تعتبر خصمها اليونان اعتداء على ملك لها. اما الامر المخفي و غير المعلن هو الخوف الغربي من كل نزعة اسلامية تركية نحو التحرر و الخروج عن بيت الطاعة القديم ، و ما من شك في ان الرييس رجب طيب اردوغان لا يرتاح الى الدور اليوناني في المنطقة، اليونان التي تقيم علاقات جيدة جدا مع اسراييل و هذا شانها الخاص و لا احد يمكن ان يمنعها من ذلك ، لكن حكومة اثينا ، بعد فشل الانقلاب العسكري الذي تعرض له اردوغان منذ اكثر من ثلاث سنوات ، قدمت اللجوء السياسي لعدد من قادة الانقلاب و عندما القضاء التركي بمحاكمتهم على ارضها بتهمة الخيانة و احداث الفوضى و الاخلال بالامن و التسبب في مقتل عشرات المتظاهرين في البلاد، رفض النظام اليوناني تسليمهم و احجم عن ذلك. و يبدو ان كرة الثلج بدات تكبر منذ ذلك الوقت ، و قد تصل الى كرة لهب متصاعدة . العامل الخطير ، هو الدور الفرنسي المعلن و الصريح و الرافض لاي دور يمكن ان تلعبه حكومة انقرة في شرق المتوسط اليوم و غدا ، و كذلك اي دور محتمل لها في ليبيا ما بعد العقيد الراحل معمر القذافي و ذلك لسببين رييسيين: من الجدير التذكير اولا ، ان فرنسا هي التي عرقلت محاولات تركيا منذ سنوات عديدة الانضمام للاتحاد الاوروبي و ذلك بسبب انهامات الفرنسيين للعثمانيين بجرايم ابادة الارمن الامر الذي تنكره تركيا ، و اعتقد ان تركيا قدحققت قفزة اقتصادية هامة مع اردوغان الذي لا يخفي طموحاته باستعادة امجاد الخلافة العثمانية و هذا امر مشروع يستثير حفيظة الغرب الذي ينظر بغين الريبة للخطط و التكتيكات و التحركات التركية على اكثر من صعيد و خصوصا تدخلها الاخير في ليبيا من اجل نجدة حكومة فايز السراج المعترف بها دولياو هي التي دحرت قوات المشير خليفة و ابعدته عن العاصمة طرابلس و وادت له كل حلم بالسيطرة عليها و سفهت الى حد ما امال مناصريه و داعميه المعلنين و المخفيبن خصوصا حكومة ايمانويل ماكرون التي ترى ان لفرنسا كل الاحقية بالاستفراد بليبيا ، وان يكون وزن كبير في تسطير مستقبل ليبيت لانها هي بمعية حلف الناتو من اسقطوا حكم القذافي في فبراير 2011، كما اننا نتذكر خلافها السياسي مع ايطاليا و تلاسن وزير داخلية حكومة روما مع نظيره الفرنسي.
اليونان ، هي طبعا في عضو في الاتحاد الاوروبي و كل مساس باي دولة يتداعى له ساير الجسد الاوروبي بالسهر و الحمى. بينما لا تزال المستشارة الالمانية انجيلا ميركل تلعب دورا ايجابيا للغاية في اطار الديبلوماسية الهادفة الى نزع فتيل التوتر و تقف على نفس المسافة من الطرفين و تجري اتصالات مكثفة من اجل تقريب وجهات النظر ، وهو دور تعلبه برلين ايضا بنفس الحماس في الملف الليبي .
تركيا، بدورها عضو مهم جدا في حلف شمال الاطلسي عتادا و عدة، و لها علاقات متقدمة مع روسيا بوتين بعد صفقة صواريخ اس 400 المتطورة جدا ، و هو امر اثار حفيظة واشنطن. في السياسة الدولية ثمة تقاطعات عديدة ، و هي متقلبة بحكم المستجدات الاقتصادية و التحالفات لا تخضع لاحكام مسبقة و انما جوهرها مصالح جيواستراتيجية و ضرورة فهم المتغيرات على اكثر من صعيد و من تقليب الامور و غربلة الافكار و المواقف لاستخلاص العبر.
و على علاقة بما يجري في شرق المتوسط، اعتقد جازما ان اندلاع اي مواجهة عسكرين بين الاتراك و اليونانيين يعد امرا خطيرا و خطوة من كلا الطرفين غير محسوبة و لا محمودة العوافب لانه خصوصا اردوغان في وضع داخلي غير مريح بالشكل الكافي خصوصا بعد تحذيرات مشتساره السابق و وزير خارجيته و احد مهندسي القفزة الاقتصادية التركية و رييس حزب المستقبل احمد داوود اوغلو اثناء حوار اجراه مع رويترز خلال اليومبن الماضيين. تىكيا لها حصور في اكثر من منطقة : في سوريا و في ليببا خوض غمار حرب ضد اليونان رغم قدرة الانراك على الحسم العسكري نظرا لفارق القوة العسكرية بين الطرفين، لكن فرنسا اساسا لن تبقى مكتوفة الايدي و لذلك من الضروري ان تتدخل دول كبرى اخرى وازنة مثل الولايات المتحدة و روسيا و ان تلعب منظمة الامم المتحدة و امينها العام غوتيريش دورا ايجابيا في التحكيم لان المسالة و كانها تندرج في خانة القانون الدولي المتعلق بالبحار . و تبقى قضية الازمات الطارىءة امرا محيرا و مستنزفا لطاقات الدول و الامم خصوصا و ان العالم يعيش على وقع واحدة من اعتى الازمات التي تشهدها البشرية على مر تاريخها وهي ازمة فيروس كورونا التي القت بظلالها على الانسانية كافة ، و ليس اخطر منها الا الدخول في حروب مدمرة حربا عالمية ثالثة لا قدر الله ، كان قد تحدث عنها المفكر الامريكي الاشهر خلال هذا القرن في كتابه المعنون " قراصنة و اباطرة في الحرب على الارهاب" . بكل اسف و منذ عقود و البحر الابيض المتوسط ، يثير سيلان لعاب القوى العظمى كفرنسا و بريطانيا و هما قوتان استعماريتيان قديمتان و تحن فرنسا الى استعادة ماضيها في دول بعينها تعتبرها ضمن مجالها الحيوي مثل لبنان لان لا شيء في السياسة يحدث بمحض الصدفة . و يرى منظرون و خبراء استراتيجيون كبار مثل ريمون ارون و ستانلي هوفمان و ارنولد نوينبي ان من يسيطر عليه يمكنه ان يبسط نفوذه على العالم. ان تراكم الازمات و تنوعها و ديمومتها منذر بزوال الانظمة و انهيار ملكها و سلطانها. و نسال الله السلامة!
إرسال تعليق
سياسة التعليقات على موقع الثقافية التونسية.
1. يرجى الالتزام بالتعليق على الخبر أو التقرير أو المقال نفسه ، والابتعاد عن كتابة تعليقات بعيدة عن موضوع الخبر أو التقرير أو المقال.
2.يرجى الامتناع نهائيا عن كتابة أي عبارات مسيئة أو مهينة أو أي كلمات تخدش الحياء أو تحمل سبا وقذفا في أي شخص أو جهة أو تحوي معان مسيئة دينيا أو طائفيا أو عنصريا