اراء ومواقف
هذه المقالة الصحفية ، هي محاولة مني لاستشراف افاق المرحلة السياسية القادمة في تونس ، و بادرة متواضعة مني لفهم مجريات الاحداث و التطورات المرتقبة و رسالة ارجو ان يصل صداها الى السيد هشام المشيشي ، كونه شابا طموحا يرنو و يتوق بشغف و شوق الى الامساك بتلابيب اللعبة السياسية بنجاح و تميز لذى اعتقد و انا على قناعة بذلك ان كل من يرى صلاحا في رايه ان لا يكتمه او يلجمه خوفا على نفسه . و قد كان هذا دابي و ديدني منذ سنوات خلت . لانه كم من شخص استصغر نفسه فضاعت احلام كانت يمكن ان تؤسس لواقع جديد اكثر اشراقا لو تسلح المرء بالعزيمة و بفعل التغيير الايجابي، و انا اتفق تماما مع قاله الكاتب المصري الكبير توفيق الحكيم في مؤلفه " شجرة الحكم "، خصوصا اذا تعلق الامر بشان وطني هو الان في صدارة اهتمامات التونسي على حد السواء ، رغم انني على شبه يقين ان بعض ساستنا في شبه قطيعة مع القراءة الا في حدود الاختصاص و ربما بعض التقارير الاكثر تخصصا ذات العلاقة بمجال مباشرتهم لوظايفهم. و قد تكون وسايل التواصل الاجتماعي اكثر تاثيرا نظرا لانيتها و للسيل الجارف من الاخبار " المقرفة و المزعجة" التي تبثها بين حين و اخر. و هنا بالمناسبة اريد ان احيل القارىء على كتاب " الى ولدي" لكاتب كبير مصري و مصلح ايضا هو احمد امين الذي ينتقد فيه ابنه و ابناء جيله ممن يكتفون بالاطلاع و التكوين في مجال دراستهم متجاهلين فنونا و اصنافا شتى من المعارف و الاداب ليؤكد على ان فلسفة الحياة قايمة على التنوع و التكامل و الثراء فهي تنبع من روافد متعددة لتصب في نهر واحد اسمه المعرفة الشاملة.
ان من واجب اي كاتب يؤمن بقضية وطنه ان يزرع الامل في القلوب المنهارة و يجدد الثقة في النفوس المتعبة و ان يحرك العقول الجامدة و الخاملة، و بكل تواضع غير مصطنع ساحاول طرح مقاربات فكرية و معرفية قادرة على انارة الراي العام المتعطش و المتحفز لانتقال سياسي طبعا داخل اطار من الاسس الديمقراطية و الدستورية، و انا هنا لست وحدي فثمة عدد لا باس به من الكتاب و المثقفين الذي ينشرون على اعمدة الصحف و المجلات شيىء من هذا القبيل و قد يكون بعضهم منحازا لحزب دون اخر ، لكن المفيد في كل ذلك هو الموضوعية كشرط اساسي حتى يصل الموقف السياسي الى من يهمه الامر و يجد اصداء طيبة ايا كانت وسيلة الاعلام و مداها.
و هنا لا يجب الاستهانة بالشان السياسي العام و لا ازدراءه او ابداء اية عدم مبالاة تجاهه ، لان الدولة هي الهيكل و البناء و الرقعة التي يتحرك فيها الجميع فيتفاعلون مع بعضهم البعض و يحدث التاثير المتبادل و بدون دولة المؤسسات و دولة القانون لا معنى للوطن و لا للمواطن و لا لاالحقوق و لا الواجبات.
في ارقى الجامعات الغربية و في احدى الجامعات الامريكية المرموقة، الدولة كفكرة و واقع سياسي هي محل ابحاث علمية متطورة حيث يقع تناولها في اطار العلوم الانسانية ك "الانتروبولوجيا" مثلا بواسطة علم الفيزياء تحديدا اعتمادا على نظرية " "ميكانيكا الكم " : " الدولة يرمز لها كدالة موجية fonction d'onde " فكان الدولة هي الكترون مثلا . و هذا ربما اشارة الى صعوبة التحديد و القيس الدقيقين استنادا الى مبدا الارتياب لهايزنبرغ و تلعب نظرية الاحتمالات دورا حاسما في ميكانيكا الكم و كذلك في اخذ القرار السياسي و الاقتصادي ، و كل ذلك مرده اولا و بالاساس الى ما هو متوفر و متاح من معلومات مؤكدة، بحيث لا يمكن الجزم بقوة في مستقبل العملية السياسية بكل يقين الا طبعا في حدود نسب ماوية معينة لكل فعل سياسي ، و في ضوء ذلك يمكن التعرف على الاحتمال الاكثر قابلية للتحقق في قادم الايام. و مما هو ممكن يجب ان يكون مميزا عن ما هو محتمل. و اقر ان السيد المشيشي سيقود دفة الحكم في ظل ازمة متعددة الاوجه و تلعب مادة la gestion du risque دليلا معرفيا نظريا في هذا الظرف بالذات. و عليه فان السيد حسام المشيشي عليه ان يصارح التونسيين بذلك و يعزم على المضي قدما في طريق الاصلاح و البناء و عليه ان يبدي حسن نية و شجاعة في الولوج الى بعض الملفات الشايكة و هي كثيرة و متعددة ( ارتفاع نسبة البطالة في صفوف اصحاب الشهايد العليا الى اكثر من 18 بالماية، انكماش اقتصادي، جايحة كورونا و شبح موجة ثانية وارد، التهديد الارهابي الداخلي مستمر، نزاع مسلح على حدودنا مع الجارة ليبيا، الخ. ) .
ان السياسة ليست علما صحيحا، لكن المفكر السياسي المعروف جدا صاموؤيل هانتنغتون حاول ان يضفي عليها صبغة رياضية من خلال بعض العمليات الحسابية و التعريفات المتعلقة مثلا بحالة اللااستقرار السياسي احد سمات الحياة السياسية في بلادنا خصوصا مع كثرة الحكومات منذ الثورة الى الان، مما يدلل على عدم رضى شعبي. و يعتبر مبدا الحتمية اضافة الى مبدا اللاحتمية السالف الذكر متحكمان في مصاير الشعوب داخل الدول و في سلوكيات الفاعلين السياسيين.
ساحاول ان العب دور المحلل النفسي لشخصية السيد رييس الحكومة المكلف هشام المشيشي، يبدو الرجل هادءا و حازما الى حد ما بالنظر الى توليه لواحدة من اهم الوزارات السيادية الا وهي وزارة الداخلية التي تعرف كل كبيرة و صغيرة عن التونسيين ( بما في ذلك ارشيف السياسيين) . هو ابن الادارة التونسية و قد سمحت له الظروف ان يظطلع بعدة وظايف عليا صلبها و كان على مقربة من مراكز صنع القرار السياسي. هو اول ريييس للحكومة ينحدر من الشمال الغربي ( جندوبة) و هو محل ثقة رييس الجمهورية قيس سعيد. امامه مسؤولية جسيمة و فرصة ذهبية لاثبات مقدرته السياسية اولا في اختيار فريقه الاستشاري و ثانيا في انتقاء فريقه الحكومي على اساس قاعدة الكفاءة لا منطق المحاصصة الحزبية كما صرح هو بذلك. ان حكومة متضامنة تتبنى مشروعا معينا يجمعها هدف رييسي اذا ما احسنت تسويقه اعلاميا و التعريف به يجعل منه غاية لغالبية التونسيين يتحمسون لانجاحه و اذكر هنا بمثال بسيط مستقى من حقل الرياضة و هو انه عندما نظمت فرنسا كاس العالم لكرة القدم سنة 1998، كان هدف الفرنسيين هو الفوز بكاس العالم لاول مرة في تاريخهم ، فكان ان كلف السيد ايمي جاكي بتدريب المنتخب الفرنسي و قد احاط نفسه باكثر من خبير و فني و مسير حول هدف واحد و كان لهم ما ارادوا و توجوا باللقب عن جدارة و ساروا على ذلك الدرب مرة اخرى. ثمة قواعد بسيطة في علم الادارة ، لا باس في ان نحاول تطبيقها فعسى ان اخطانا ان نتعلم اكثر من الزلل فلا نقع فيه مرة اخرى و نرسم اثر ذلك طريق النجاح : علينا ان نطلق العنان لافكارنا و مخيلتنا و ذاكرتنا دونما خجل او تردد او خوف . طريقة " العصف الفكري" واحدة من الطرق التي اقصدها في كلامي لانها مجربة في الغرب و هي تساعد في حل المشاكل .
ان النجاح في مجال السياسة و في غيره من الميادين هو ثمرة عمل جماعي ، عمل فريق متازر . و على هذا الاساس فان مهمة السيد المشيشي هي اعادة الثقة كاملة لمن عينه في هذا المنصب و ان لا يخذله و يبدو لي ان رييسه يراهن عليه لطي صفحة الياس الفخفاخ الورقة الاولى لسعيد و التي احترقت بسرعة ( بعد 5 اشهر ) و كان لا بد من اصلاح الخطا بتعيين المشيشي . و في الحقيقة ، المسؤولية مضاعفة و الحمل ثقيل على الاثنين : سعيد و المشيشي. الرجلان يبدوان متناغمان كونهما لا ينتميان لهيكل حزبي الى حد اللحظة . هذا الى جانب ان تكوين كليهما متشابه على علاقة بالادارة القانونية و الاقتصادية لمؤسسات الحكم . و يفترض ان يكون تشاور مستمر بينهما و ربما قد يكون الرييس قد اسر لوزيره المكلف بحكومة الكفاءات. هذا الوضع يذكرني الى حد ما بقصة يوسف الشاهد بالراحل الباجي قايد السبسي و كيف ساهم الاخير في صعوده الصاروخي قبل ان ينقلب عليه يوسف، و بالمناسبة عملا بالمثل العربي " لما اشتد عوده رماني " الياس الفخفاخ نفسه انقلب على النهضة رغم انه لا ينتمي اليها فبادر الى عزل وزراءها في الايتلاف الحكومي.
اعتقد ان تولي منصب وزير الداخلية ، مهم جدا للارتقاء في سلم الادارة السياسية. فقد تولى السيد علي العريض منصب وزير للداخلية و بعد ذلك صار رييسا للحكومة. و كذلك فهل الرييس الراحل زين العابدين بن علي ، حيث تولى حفيبة الداخلية مما اهله فيما بعد ليصبح وزيرا اولا و ان كان عسكريا و ليس فيه شيء من الغرابة.
ان حكومة كفاءات تعبير مغري لكن مضمونه غير متطابق كثيرا مع الواقع لاننا جربنا هذا الكلام و لم نعثر فيه على ما يلبي رغبات و طموحات اجيال من شباب تونس ، هذا ليس مقصودا منه السيد رييس الحكومة في شخصه بل مسارا سياسيا متعثرا بعد الثورة و على اية حال ، فان ثمة من يصل الى اعلى المراتب السياسية في الدولة و هو ليس الشخصية الاقدر و هذا معروف كما هو في علم الادارة و يطلق بالفرنسية principe d'incompetence de peter.
الكفاءة ليس شعارا يرفع و لا تباهي بالشهادات العلمية فقط مثلما فعل مرشح النهضة سابقا حبيب الجملي عندما بدا يستقبل التراجم الذاتية للمرشحين للمناصب الوزارية ، بل كما يقول خبراء علم الادارة ان ما هو اهم من le savoir faire هو le faire savoir.
و في الاثناء ، يواصل السيد المشيشي مشاوراته الثنايية و الجانبية مع مختلف الحساسيات السياسية و الاعلامية و حتى النقابية و اجتمع بخبراء في مجال الاقتصاد و المالية بغية الخروج بورقة رابحة تكون تشكيلته الحكومية التي يجب ان تحظى بموافقة نواب الشعب الذي تحتل فيه حركة اكبر عدد من المقاعد و تقود هي و قلب تونس و حركة الشعب و التيار الديمقراطي جبهة الرفض ازاء التوجهات الجديدة لرييس الحومة المكلف حيث اعرب القيادي و وزير الخارجية السابق رفيق عبد السلام عن اسفه من قرار المسيشي تكوين حكومة كفاءات و قال ضمن برنامج: " ناس نسمة" على قناة نسمة ان " هذا انقلاب على الديمقراطية" و اردف متسايلا : " هل سنحكم باللجان الشعبية و بالكتاب الاخضر؟! " موجها كلامه الى قيس سعيد الذي يروج و ان لم يعلن عن ذلك جهارا في اطار مشروعه السياسي الذي ينوي انجازه و المتعلق بتغيير القانون الانتخابي و هو ما دعا اليه ايضا الوزير السابق ناجي جلول . و هو امر تتخوف منه حركة النهضة الذي ترى انه قد يقود الى دكتاتورية جديدة و تغول حزب على حساب اخر.
في الاثناء يواصل السيد المشيشي بقية مشاوراته الثنايية و الجانبية مع احزاب و كتل نيابية على غرار الدستوري الحر الذي اعرب منذ البداية عن ترحيبه بتعيين المشيشي و ابدى عن استعداده للتعامل معه. و في الحقيقة ، لا يختلف اثنان في وجود خلاف بين الرياسة و حركة النهضة الشيء الذي يجعل احزاب تدخل على الخط لتعقد تحالفات و صفقات ربما بما ياتماشى و مصالحها.و قد التقى ايضا بعدد من خبراء الاقتصاد و المالية من الاكاديميين و المهنيين استاناسا ربما باراءهم و حتى لا يقال يوما ما انه لم يستمع الى اهل المعرفة في وقت الدولة التونسية في حاجة ماسة اليهم، و لو انه عندي بعض التحفظ على كلمة " خبراء " خصوصا في مجال الاقتصاد لان عددا منهم في الواقع هم صنيعة اعلام و قنوات تلفزية و غير قادر على تفسير حقيقة ما يجري لان عالم الاقتصاد يتطور بتطور الظروف السياسبة و الاجتماعية و التكنولوجية . الا انه و منذ الازمة المالية العالمية لسنة 2008، ارتفعت بورصة رجال الاقتصاد و لا يكاد يخلو مكتب رييس وزراء من مستشار اقتصادي و هذا هو دورهم الحقيقي.
ان الحكومات منذ الثورة و الى الان ، تتارجح بين مطلبين اثننين : فريق يدعم و يستبسل في الدفاع عن حكومة سياسية عمودها الفقري هم الاحزاب و فريق اخر يطالب بحكومة تكنوقراط. ان اول عهد لنا بحكومة التكنوقراط، يعود الى حكومة السيد مهدي جمعة التي خلفت حكومة السيد علي العريض بعد ما عرف وقتذاك بحكومة " الحوار الوطني" و كانت مهمتها الاولى و الاساسية الوصول بالبلاد الى موعد انتخابات 2014 و التي تفوق فيها حركة نداء تونس في الانتخابات الرياسية و التشريعية.لكن هل بقي السيد جمعة ضمن التكنوقراط، الجواب انه اغرته كثيرا تجربة الحكم، فسارع بعد ذلك الى التفرغ للنشاط السياسي فاسس حزب البديل الذي خاض انتخابات 2020 بشقيها الرياسي و التشريعي و خرج منها بخفي حنين كما يقال.
رايي هو ان كلا التوجهين ، لا يحصلان على الاجماع رغم قناعتي ان حكومة الاحزاب هي حكومة اكثر واقعية و هي نتيجة احببنا ام كرهنا تكرس خيار الناخبين ، بينما حكومة التكنوقراط هي حكومة تجاوز ازمة سياسية و اقتصادية و اجتماعية. و هي عادة وقتية لا تعمر طويلا.
ان ما يهم المتابع للشان العام في تونس هو كيف يمكن ان تتشكل هذه الحكومة التي ينوي السيد حسام المشيشي تكوينها و ان تحظى بموافقة نواب مجلس الشعب رغم حالة الرفض المعلن لها؟!.
ساتوخى في دراسة الحالة السياسية التونسية الراهنة ، المقاربة النظيمية l'approche systemique و هي طريقة و باراديغم لفهم الاشياء و العالم من حولنا بدراسة التفاعلات الممكنة بين مختلف مكونات النظام القابل للتحليل و التي تجعل من الظاهرة السياسية شيءا مركبا. من المعلوم ان لكل نظام مداخل و مخارج و تفصل بين الاثنين " علبة سوداء" ، و هي مربط الفرس كما يقال لانه لا احد يعلم ما الذي يجول في خاطر رييس الحكومة المكلف و رييسه طبعا اذ هما المهندسان للعملية السياسية الحالية و قد يكون ثمة و هذا اكيد اطراف تعمل في الخفاء مقربة من قصر قرطاج.
لنفصل بعض الشيء للقارىء حتى تستبين له الامور اكثر و لست ادعي امتلاك مفاتيح ما يجري خلف الابواب المغلقة في قصر سيدي الظريف مثلا ، لكن اجتهد بناء على قراءة موضوعية و معتمدا على عامل الزمن كمفتاح لفهم تطورات الاحداث و فق تسلسل كرونولوجي معين فقد كنت متابعا لما يجري في بلادي ، خارج اطار الدواير السياسية الضيقة او حتى الموسعة.
و تطبيقا للنظرية العامة للنظام ، ارى ان المدخلات يمثلها هنا حكومة الفخفاخ لتصريف الاعمال و طبعا رييس الحكومة المكلف الشيشي و هو العنصر الاكثر اهمية الذي ما فتىء منذ نبا تعيينه من قبل السيد رييس الجمهورية و هو يسرع الخطى بغية تكوين حكومة كفاءات كما اعلن هو عن ذلك، و لكن شرط غير متحزب apolitique لا يعني عدم امكانية تحول المسؤول في ما بعد الى متحزب. القلة القليلة بعد مغادرتها لكرسي تعتزل الحياة السياسية . و يجدر بنا ذكر اسم رييس الحكومة الايطالي الاسبق رومانو برودي والذي لم يكن ينتمي لاي حزي سياسي علقت قناة la chaine parlementaire ); L C P) الفرنسية بالقول un chef d'orchestre sans orchestre.
ان ضبابية المشهد، و اللحظة الزمنية الحرجة و الظروف الاقتصادية و الاجتماعية الدقيقة وطنيا و اقليميا و دوليا تحتك على رييس الحكومة المكلف اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب باقل قدر من التكاليف و الاتعاب و ثمة نص شهير للفيلسوف كارل ماركس ملخصه حسب فهمي ان اي انسان يمكن له ان يصنع تاريخه و مجده بنفسه عندما يحسن اقتناص الفرصة في التوقيت المناسب. و اعتقد ان السيد حسام المشيشي في اوج احداث منعرج سياسي في حياته و هو محل انظار الملايين من التونسيين، الذي ينتظرون لحظة ميلاد حكومة تعيد لهم الامل في حياة كريمة و تنسيهم البعض من احزان و ماسي السنوات الماضية.
ان من الصفات المرغوب فيها جدا لدى رييس الحكومة و فريقه الاستشاري و وزاءه هي: الامانة و الصدق و الاخلاص و المعرفة و الثقافة و الكاريزما و اوردتها هنا ترتيبا تفاضليا مقصودا.و هي صفات منبعها الاساسي الاخلاق و الوسط التربوي و الاجتماعي.
اخال السيد المشيشي قد قام بنقد ذاتي لنفسه و لاداءه على راس وزارة الداخلية و لحكومة رييسه السابق و التي هي على وشك مغادرة قصر القصبة، لانه بالوقوف على نفاط الضعف و القوة و لا ارى انه ثمة نقاط قوة كثيرة عدا عن اداء بعض الوزارات الذي يجب الثناء عليه كوزارة الداخلية و و زارة الصحة العمومية و الشؤون الدينية التي تجتهدان في الاعلام و الوقاية من كوفيد _19 الذي يشهد انتشار حالات عدوى افقية خصوصا في مدينتي قابس و القيروان و و وزارة الدفاع الوطني .
ليس في الامر فلسفة كبيرة ، حتى يدرك رييس الحكومة ما الذي يجب فعله فالحصيلة او الحصاد السياسي كان ضعيفا و لذا يجب القيام بتغيير ناجع و فعال اي ان يقود سفينة القصبة الى بر الامان الذي يجب ان يكون المواطن جوهره و هدفه . اما من هم الرجال الذي يتوقع ان يشكلوا العدد الاكبر فيها و لا نستثني منهم نساء ثمة منهن من ابلين البلاء الحسن في التصدي لازمة فيروس كورونا و لعل اكثر اسم نسوي وقع تداوله اعلاميا و سطع نجمه على الاطلاق هو اسم نصاف بن علية الاستاذة الجامعية بكلية الطب بتونس و رييس المرصد الوطني للامراض المستجدة دون ان ننسى اسماء طبيبات اخريات متميزات في المجال.
من خصال الوزراء التكنوقراط " الاذكياء" هي الفهم المعمق للاشياء و سرعة البديهة و قوة الحدس و القدرة على التخطيط المحكم و بعد النظر و القدرة على التوقع و الاستشراف ، لكن تبقى دايما انزالها الى ارض الواقع و تهياة المناخ للسليم للعمل الجاد و تنفيذ الافكار بكل اقتدار احد العقبات التي تعترض سبيلهم و ذلك في بعض الاحيان بسبب ضعف اتصالي و هو ما كان محور لقاء رييس الحكومة المكلف مع رؤساء نقابات بعض وسايل الاعلام الخاصة من قنوات و اذاعات حتى ييسر رجال الاعلام التعاطي مع ممثلي الحكومة المقبلة لكن ان ننسى ان رجل الصحافة و الاعلام يجب ان رجل تغيير و مراة تعكس واقع الحياة السياسية بكل موضوعية . اضافة الى اسباب اخرى تراكمية مرتبطة بالذهنية و بالثقافة السياسية و بالايديولوجيا التي تكاد تقصم ظهر البلاد و بدور بعض الاطراف الخارجية التي تنتظر وعكة صحية او انتكاسة للتجربة الديمقراطية التونسية الفريدة في الاقليم العربي برمته.
بعض النصايح و الارشادات التي يمكن ان اسوقها الى السيد رييس الحكومة كالاتي:
-احداث مرصد على مستوى رياسة الحكومة لتقييم عمل و اداء السادة الوزراء و كتاب الدولة و الولاة و كبار مسؤولي الدولة و ذلك باعتماد " قانون باريتو loi de pareto المعروف ايضا ب " 20/80 " و هي قاعدة يمكن ان تنطبق على اي مسؤول و اي قطاع و ادعو ريييس الحكومة للاطلاع عليه و هو مطبق في عدة مجالات ( جتى في ادارة المستشفيات و الاقتصاد و التجارة و غيرها)؛
- المراقبة الدورية و المستمرة للمشاريع التي بدات او ستبدا مع الحكومة المقبلة retroaction و benchmarking.
- استعمال القانون المسمى ب la theorie des jeux نظريا و عمليا في عدة ميادين مثل الاقتصاد و التجارة الدولية و العلاقات الدولية عبر طريق المفاوضات؛
- تقسيم الهدف الرييسي الى مجموعة من الاهداف الفرعية او الصغرى . و يمكن ان استند هنا الى مصفوفة ايزنهاور la matrice de gestion du temps ( priorite et urgence . مع ضرورة التاكيد على انها يجب ان تتكيف مع الواقع التونسي و خصوصياته العقلية و النفسية؛
- لتشكيل الحكومة، لا بد من شحذ و ضخ طاقات علمية و معرفية شابة و مخضرمة متعددة و متنوعة ( ليس شرطا ضروريا ان يكون عدد وزراءها مساويا لعدد ولايات الجمهورية ، يمكن ان يكون اقل من ذلك مثلما تطالب بذلك بعض الاحزاب و المنظمات الوطنية، لان العبرة ليست بالعدد بل بالكيف ) حتى تتمكن من تطبيق النقاط التي ذكرتها مقدما لا بد و ان تراعي في اعتقادي " هرم الحاجات " pyramide de Maslaw , و يمكن ان اتفهم هدفا يبدو ساميا و نبيلا لحزب قلب تونس الا وهو" محاربة الفقر " لان فيه حفظ لكرامة التونسي من السقوط في مستنقع الجريمة و السرقة و الانحدار الاخلاقي كالدعارة مثلا. و هنا انبه السلطات الحكومية الى ضرورة الالتفات الى " مؤشر جيني " لقياس الفقر indice de Gini و هو عدد بين الصفر و الواحد . ان فريق التكنوقراط " الاذكياء " الذين قد يكونون من غير المنتمين لنصف تلك الدايرة المعروفة في العلوم السياسية و التي نظريا تضم اغلب التيارات الحزبية من اقصى اليمين الى اقصى اليسار مرورا باحزاب الوسط ، متواجدون في زوايا " معينة" لا يلتفت اليها الكثير من الساسة و احث هنا الى التعويل عليهم و الدفع بهم الى الشان العام دفعا و خصوصا هؤلاء:
- مدرسة البوليتكنيك للعلوم و التقنيات بتونس ( او بفرنسا او المانيا مثلا) تضم دكاترة و مهندسين عامين من اعلى طراز؛
- المدرسة الوطنية للادارة ( و السيد حسام المشيشي هو خريج هذه المؤسسة العربقة) بما توفره من مستشارين لامعين؛
- كليات العلوم الاقتصادية الانسانية و الاجتماعية و التي بها بعض المفكرين و الاساتذة الجامعيين الاكفاء في تخصصات مثل الفلسفة السياسية و علم الاجتماع السياسي و علم النفس الصناعي و غيرها من فروع المعرفة المهمة؛
- بيت الحكمة و المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية ، على الاقل التعرف على الابحاث و الدراسات التي يقومون بها و لا ننسى ايضا بعض مراكز الابحاث الخاصة think tank التي بعثت بعد الثورة .
الوزراء في الغرب يعملون كثيرا و بعضهم طور قطاعات و وزارات وهي بعيدة كل البعد عن مجال تخصصهم الدراسي لان بعضهم كان مديرا تنفيذيا لشركة معينة كبيرة و هم يقرؤون الكتب مثلما هو حال المحافظين الجدد الذين حكموا امريكا في عهد جورج ولكر بوش السيء الذكر هو و فريقه الحكومي. لكن هذه دروس لا بد ان نعتبر منها .
ثمة امر اخر ، ليت رييس الحكومة المكلف يكون حريصا بقدر حرصه على التوصل الى اخراج لايق بحكومته المرتقبة ، ان يلعب دور الوسيط السياسي او كما يقال الحزب الثالث وهو ان يقلل الى اقصى حد ممكن من التوتر الحاد بين الحزب الدستوري الحر و حركة النهضة ، و ذلك بعقد مايدة حوار بين العقلاء من كلا الطرفين حتى يزيل " حقل الالغام " من اجل ان يهيء الارضية لوضع جديد بالبلاد اكثر اريحية ، رغم قناعتي ان ذلك يعد امرا " ابعد من بيض الانوق " و ذلك لاستحالته .
و في النهاية ، تبقى حسابات و تكتيكات الساعات او حتى الدقايق الاخيرة من الزمن المخصص دستوريا لانشاء الحكومة ، حبلى بالمفاجات التي في بعض الاحيان لا يمكن توقع حجمها و تاثيرها على النفوس.
إرسال تعليق
سياسة التعليقات على موقع الثقافية التونسية.
1. يرجى الالتزام بالتعليق على الخبر أو التقرير أو المقال نفسه ، والابتعاد عن كتابة تعليقات بعيدة عن موضوع الخبر أو التقرير أو المقال.
2.يرجى الامتناع نهائيا عن كتابة أي عبارات مسيئة أو مهينة أو أي كلمات تخدش الحياء أو تحمل سبا وقذفا في أي شخص أو جهة أو تحوي معان مسيئة دينيا أو طائفيا أو عنصريا