نافذة على ايام زمان
سردوك خالتي ربح
بقلم الكاتب محفوظ الزعيبي
لم يكن في قريتنا حلاق فامرني ابي بالذهاب الى القرية المجاورة وهو يوصيني بتبليغ سلامه الحار الى العم الزاهي و في الان نفسه يجس باصبعيه قطع النقود في تجاويف الكيس ثم ملا عينيه جيدا من القطعة الصفراء المضيئة ورماني بها فتلقفتها بحركة رياضية حتى لا تنفلت مني..انها عشرون مليما برمتها كافية لحجامة شعري...كان علي ان يرافقني اخي العروسي..فوافق من اول وهلة لاننا سنمر بشجرة الخوخ العربي في احد الجنائن و سنزدرد من ثمارها الشهية ما يشحن البطون الخاوية...
عبرنا مسافات طويلة بين الطوابي واشجار اللوز و الزيتون و اغراس التين..و هبت نسائم القيلولة بروائح الخوخ..فتوجهنا نحو الشجرة و اخذنا ندور حولها فكانت الشبعة مفرطة...عند الوصول الفينا دكان الحلاق مغلقا كانه لم يفتح منذ زمان..جدرانه المنحنية المشققة يتفسح عليها الجذام الضخم ذو الاعناق العريضة المتجعدة متنقلا بيز الشباك الواهن الصامت و الباب الدهري المعوج...كان شبح يظهر و يختفي امام الحوش..تبينته جيدا انه العم الزاهي يراقبنا من بعيد و يتردد ثم يتوجه بسرعة نحو حبل الغسيل و يختطف السروال الواسع و يشرع في ارتدائه بعجالة و هو يتعثر و يرفعه الى حزامه و يسويه....و هاهو يتوجه نحونا مظللا جبينه بيده كانه يستفسرنا للتعرف علينا...كان متابطا مفتاحا في طول الذراع..تفل عليه ثم انحى شارعا في تدويره بعصا متعسرا عاضا شفته السفلى و الباب يرتجف و يهتز و يئن...و فجاة انفتح على مصراعيه لما دكه بركبته الجلمودية...كان المحل يلف ظلاما قديما لم يتضح من الداخل الا عندما تسربت اشعة من فرجة الباب و ثقوب الشباك...كان سقفه من العرعار المغشى بخيوط العنكبوت..و في الركن كدس من الهشيم فوقه دجاجة جاثمة تحتضن بيضها و كانها انزعجت منا فزفرت قوقاة ثم خنست و ظلت ترمقنا بحذر...اجلسني العم الزاهي على صندوق غير متماسك لمشروبات غازية من نوع القرمازيامام قطعة مراة شاحبة ملصقة بالطين..كنت خائفا من الماكينة ذات الاسنان الحادة و العضات المؤلمة و كم اكتويت من لسعاتها الموجعة و انا ارميها بنظرات جانبية متحفزة...ثم امسكها بين اصابعه الكالحة و حرك يديها فكشرت ثم سرعان ما هاجمت راسي الاشعث و حرثت فيه و انشبت مخالبها في اللفافات المعقدة الى ان وحلت و انا اتكور و احبس انفاسي و امسح دموعي خلسة و العم الزاهي يلعن الماكينة و يسبها لانها لم تطاوعه ...خيرني العم الزاهي عن نوع الحجامةو الدور فلم اجبه من شدة الوجع و هو يمرر قطعة الصابون اللزجة عل. قفاي خلف الاذنين شاهرا موساه متاملاراسي المحصود الذي تعرى تماما.. كاشفا عن اثارالدمغ و الاصابات القديمة و الخرائط التي كانت مخفية تحت غابات الشعر الكثيفة و ب ان هناني على اتمام الحجامة صافحني و انا اسرب قطعة النقود الى راحته..فدفعها نحوي قائلا..معاذ الله..كيف اتسلم منك النقود و انت ابن صاحبي..بلغ تحياتي ال. ابيك...ولما كنت اودعه كانت زوجته الخالة ربح تومئ وتعدو نحوي و تمهلني ماسكة بديك سمين قائلة..
إرسال تعليق
سياسة التعليقات على موقع الثقافية التونسية.
1. يرجى الالتزام بالتعليق على الخبر أو التقرير أو المقال نفسه ، والابتعاد عن كتابة تعليقات بعيدة عن موضوع الخبر أو التقرير أو المقال.
2.يرجى الامتناع نهائيا عن كتابة أي عبارات مسيئة أو مهينة أو أي كلمات تخدش الحياء أو تحمل سبا وقذفا في أي شخص أو جهة أو تحوي معان مسيئة دينيا أو طائفيا أو عنصريا