*لإنسان العربي تائه بين حداثة لم يستطع أن يتبنّاها وبين موروث دينيّ لم يستطع أن يبلغ عمقه القيمي والرّوحانيّ
*التّقابل هو بين قراءات الفقهاء الّتي تتلاءم مع عصرها وسياقها، وبين عصرنا وسياقها المفتقر إلى قراءات جديدة.
*ظهر القرآن هو ما نزل و أما بطنه هو تأويله، ويعود ذلك إلى كينونة القرآن المتألف من حقائق ذات مراتب متعددة
*القوامة ليست تفضيلا للرّجال الأزواج وإنّما هي حماية للنساء الزّوجات في مرحلة تاريخيّة مخصوصة. وهي في الآن نفسه قوامة مشروطة بالإنفاق، فإذا انتفى شرط الإنفاق انتفت القوامة.
اجرت الحوار
الدكتوره امنه محمد عبائديه
ألفة يوسف هي كاتبة ومؤلفة وباحثة تونسية شابة رغم تجاوزها سن الخمسين إلا أنها بملامحها الطفولية و ديناميتها المتجددة ما جعل لها مكانة محورية بين النخبة العربية المثقفة وإشعاع خاص مع تميز وخصوصية مؤلفاتها التي تثير الجدل أو الحيرة التي تستفز الذهن وتدفع بالقارئ إلى البحث في أغوار المعنى واعتبار الظواهر مجازا إلى البواطن . تخصصت في مجالها الأكاديمي في اللغة العربية واللسانيات والحضارة العربية . تطل علينا من خلال كتاباتها دون رغبة في استفزازه بل لتستنهض الرغبة في البحث عن الفكرة المطروحة بلغة وأسلوب جديدين يجمعان بين العلم وفرضياته ومقاييسه التى تتناقض مع الفكر الديني الرافض للظواهر الاجتماعية التي يعتبرها شاذة لكن الباحثة الفة يوسف تقارب بين الدينى والعلمي بأسلوب تحليلي حداثي يكثر فيه الجدل الذي يقود القارئ في النهاية لمصالحة ذاتية مع مورثه الديني و الاجتماعي و السيكولوجي والنفسي .
<< تقريب القارئ إلى المعنى المنشود والذي لأجله جاء هذا البحث المضني>> هذه الجملة تلازم د.ألفة يوسف لتعبر عن مدى بحثها وخضوعه للتجربة قبل الخوض الكتابة ؛ وهي بذلك تبرهن عن انشغالها بالفرد والمجتمع والله كصلة مترابطة تحتاج إلى معرفة عليمة لاختيار السبيل الأنجح لتحقيق السلم النفسي الذي بدوره يعد مجتمع نبيل ينبذ العنف ويقطع مع التطرف.
د. ألفة يوسف هي من أبرز الوجوه الجامعية في تونس وفي المنطقة العربية التي تشتعل على البحث في الظاهرة الدينية وتفكيك بنية الخطاب العربي الاسلامي المتعلق بالمرأة والأنوثة عامة، إلى جانب اهتماماتها النقدية واللسانية . وهذا ما يميز كتبها "ناقصات عقل و دين " و " شوق و "حيرة مسلمة " و"الأخبار عن المرأة خطوة في القران والسنة" و"تعدد المعنى في القرآن" وأحلى كلام" ثم وجه الله.
لا تفتأ تخوض في غمار الجرأة في طروحاتها التي تتعلق بتمثلات الجنس في المخيال العربي الإسلامي والتونسي تحديدا من خلال اللهجة والتندر بالفاض شعبية لاستحضار الدلالات الجنسية ، هذا ما تميز به مولودها الجديد والموسوم بعنوان " وليس للذكر كالأنثى ... في الهوية الجنسية يأخذك العنوان إلى استعارة مجازية وتمثيلية في القران الى ابعاد دينية ليلقي بك في افاق ارحب واشمل يمكنها ان تجمع بين الواقع والخيال وبين الدنيوي والأخروي بين المرأة والرجل كقطبين محورين لا يتقاطعان بل يلتقيان في الحق و الواجب دون اقصاء جسدي ولا معنوي و إيلاء الجانب النفسي والسيكولوجي والبيولوجي اولوية التعبير عن الرغبة كحق مكتسب ...
1 . متى كانت اللحظة التي شعرت بها بتردي وضع الإنسان العربي بشكل عام ؟
، وما الذي ألهمك التوجه للكفاح من اجل قضايا الإنسان ؟ وهل يصب اهتمامك في قضايا الإنسان بمعناه المطلق في خوض تجربته الحياتية أو الإنسان المتدين ؟
لم تكن لحظة، وإنّما استنتاجا بعد سنوات من التّأمّل. بدا لي الإنسان العربي تائها بين حداثة لم يستطع أن يتبنّاها وبين موروث دينيّ لم يستطع أن يبلغ عمقه القيمي والرّوحانيّ. فظلّ منشطرا لا يعرف من الحداثة إلاّ ما يستهلكه من تكنولوجيا ومن علوم ولا يعرف من الدّين إلاّ الموروث الفقهيّ المتوارث بلا اجتهاد ولا إعمال عقل.
لا أنكر أنّي في بداية الطّريق كنت أبحث عن حلّ للمسائل الوجوديّة التي طرحت علي مثلما تطرح على كلّ إنسان يفكّر ويتأمّل ويحاول أن لا تبتلعه تصاريف الحياة في بعدها المادّي المسطّح. كنت أحاول أن أجيب عن الأسئلة التي يطرحها كثيرون منا على أنفسهم. من أنا؟ من أين جئت؟ إلى أين أذهب؟ وما وظيفتي في هذه الحياة الدّنيا. ثمّ وجدت صدى لتساؤلاتي لدى الآخر من خلال القرّاء ومن حلال الحضور عبر اللقاءات المباشرة. وتبيّنت أنّ البشر في أعماقهم واحد، جميعهم يحمل نفخة الرّوح الإلهيّة. وهم سواء كانوا متديّنين أو غير متديّنين يشتركون في الهشاشة والوجع من جهة وفي القدرة على العطاء والرّقيّ من جهة أخرى. ولئن كانت جميع دراساتي تهتمّ بالمنظومة الدّينيّة، فإنّ البعد الرّوحاني للإنسان مشترك بين المتديّنين وسواهم.
2. تهديدا جدية وثابتة لاستباحة دمك، مع حراسة أمنية لمدة سنوات، هل تثنيكي على إكمال مشوارك في البحث والتقصي عن الله وتجليه بمعنى انعكاس وجوده في خلقه (عملية الاستخلاف الإلهي) بأسلوبك العلمي الخاص الذي يعتبره البعض استفزازي أو تطاول على كتب التفاسير والشريعة والسنة والجماعة وكأن اجترارها هو سلوك الاعتدال.. وغيرها من الكتب التي بدأت تتراجع في تقريب صورة "الدين" أو الديني إلى العصر الحديث وخلق جسور التواصل، وهذا القصور يعود إلى إنها كتب وقراءات بشرية "وضعية" قابلة للنقد والاختلاف وللإخفاق ألم يحن القطع مع هذه الكتب وتغييرها بأفكار تلتقي مع العلم والفلسفة وسائر المناهج العقلية "الذهنية ؟
من يجد سبيله إلى الله يعرف أنّ كلّ شيء بقدر، ومن ذلك الموت والحياة، فهما بيد الله تعالى وحده. لا يمكن أن يموت الإنسان قبل عمره بلحظة ولا بعد عمره بلحظة. ولا أعتقد أن هناك تقابلا بين الدّينيّ والعصر الحديث. التّقابل هو بين قراءات الفقهاء الّتي تتلاءم مع عصرها وسياقها، وبين عصرنا وسياقها المفتقر إلى قراءات جديدة. إنّ جوهر الدّين وقيمه الأصليّة لا تتغيّر، ولكنّ الاجتهادات الفقهيّة تظلّ أعمالا بشريّة يؤخذ عنها ويردّ، ويمكن مناقشتها وتعديلها وتغييرها بمقاربات حديثة تستند إلى العلم والفلسفة والمنطق والتحليل النفسي وكلّ المعارف البشريّة.
3. بما أنّنا نستند إلى التجربة البشرية في قراءة النص الديني؛ فهذه التجربة التاريخية عبر آلاف السنين أكّدت وتؤكّد أنّ النصّ الديني مفتوح على الدوام لتطوّر في القراءة، والمعاني التي كانت تستخرج مفاهيمها من النصوص تماشيا وتطور الوعي والإدراك وهو ما يدل على ان نظام النص الديني هو نظام تراكبي أي ما يعبر عنه في الموروث الإسلامي بنظرية البطون (بطون القران) ودلالته تنفتح فوق بعضها بعضا، فإذا هبنا أن للنص الديني بطن يكون له ظهر، وظهر القرآن هو ما نزل و أما بطنه هو تأويله، ويعود ذلك إلى كينونة القرآن المتألف من حقائق ذات مراتب متعددة تكمن وراء اللفظ وتوافره على شمولية المعنى . فهل د. ألفة يوسف في تصديرها بعض الآراء والمواقف التي تقول إنها تلزمها بشكل شخصي و تفضل أن تعلن عنها إما في حواراتها أو في مؤلفاتها تعد إحدى السباقات في البحث والاجتهاد في معاني ومفاهيم جديدة من بطون القرآن وذلك باستخراج السياق الذي بعثت فيه سورة بعينها (الظرف النفسي والاجتماعي والسياسي "الحدث" ) ما لا يجعله يتطابق في مطلق الأحوال والأزمان، بحثا عن حل لأزمة القطيعة التي خلفتها المؤسسات الدينية التي لا تختلف في منهجها عن الكنيسة في القرون الوسطى . وما التطرف الذي بدأ يطفو في المجتمعات المسلمة بكل الفئات العمرية وليس كما يشاع عند الشباب فقط هو من مخلفات هذه المؤسسات الدينية التي تسعى للحكم بمعول الدين، من ذلك جاء بحث د. ألفة يوسف في مسائل نذكر منها مثلا مسألة المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة- كتاب : (وليس الذكر كالأنثى)، التماس حجج السماح للمسلمة بالزواج بغير المسلم ومنع تعدد الزوجات –كتاب : (حيرة مسلمة)، ارتداء الحجاب ليس فرضا في كتاب : (ناقصات عقل ودين) . ...
"القرآن حمّال أوجه"، و"القرآن لا يتكلّم وإنّما تتكلّم عنه الرّجال". هاتان العبارتان قيلتا في صدر الإسلام، وهما تؤكّدان أنّ المعاني القرآنيّة متعدّدة متنوّعة. عندما أنجزت منذ عشرين سنة أطروحة دكتوراه الدّولة بعنوان: "تعدّد المعنى في القرآن" فوجئت أن لا وجود لآية واحدة لا يتعدّد معناها. وتبيّنت أنّ ذلك من وجوه الإعجاز القرآنيّ. فالتّعدّد نوعان، نوع إجباريّ تفرضه أنظمة اللّغة ولا يمكن الخروج منه، ونوع اختياريّ يختاره الباثّ نفسه. وإلى جانب تعدّد معاني اللّغة بالقوّة، اختار الله تعالى أن يكون لمعاني القرآن مستويات متعدّدة ومتنوّعة، وهذا الاختيار هو ما يجعل القرآن كتابا صالحا لكلّ زمان ومكان. من ذلك مثلا أنه من المنطقيّ أن يثبت القرآن مسألة القوامة الماليّة للرّجل في صدر الإسلام إذ أغلب النّساء ما كنّ يشتغلن. فهذه القوامة ليست تفضيلا للرّجال الأزواج وإنّما هي حماية للنساء الزّوجات في مرحلة تاريخيّة مخصوصة. وهي في الآن نفسه قوامة مشروطة بالإنفاق، فإذا انتفى شرط الإنفاق انتفت القوامة. ولا ننسى أن القرآن لا يفضّل الرجال على النساء، وإنما يفضل بعض الناس على بعض. هذا الأسلوب في التّأويل والقراءة قابل لأن يعتمد مع نسائل أخرى شأن زواج المسلمة بغير المسلم والمساواة في الميراث وما إلى ذلك.
4. لعب الغرب لعبة تخريب الأوطان ببث فتنة المذاهب وقد نجح بنسبة كبيرة، بينما لم نسمع يوما عن تميز أو اختلاف بين طوائفهم المسيحية الكاثوليك أو البروتستانت او الأرثوذكس ومذاهبهم المتشعبة، أليست هي فرصة لإعادة اعتبار لمفاهيم الدين الذي جاءت آياته بصريح عبارات التآخي ونبذ العنف والتكفير يدعو للحب للسلام، لماذا أصبح المسلم هو من لم يسلم الناس من يده ولسانه، يدعو في خطابه للقتل والطائفية... ألا ترين انه حان وقت إعادة النظر في بعض المفاهيم التي تاجر بها رجالات الدين السياسي و أخضعوها للوصول إلى مناصب سياسية وغايات دنيوية لا صلة لها بالدين ؟.
منذ التّاريخ كانت هناك طريقتان للتّعامل مع الدّين. إمّا استعماله سبيلا من أجل ترقية الرّوح والنّفس وتحسين القيم الأخلاقيّة أو توظيفه توظيفا سياسيّا بغاية السّيطرة والهيمنة على الآخر باسم المقدّس. والاستعمال الثّاني يؤدّي بالضّرورة إلى التفرقة وإلى إثارة النّعرات والصّراعات بين المذاهب المختلفة. واللّطيف أنّ الدّين يأتي ليجمع لا ليفرّق، هو يأتي ليذكّر البشر بجوهرهم الرّوحانيّ ويحثّهم على الحبّ والتّسامح والعطاء، فإذا ببعض النّاس يحوّلونه عن وجهته منطلقهم في ذلك ادّعاؤهم امتلاك الحقيقة واعتقادهم أنّهم ظلّ الله تعالى على الأرض، والحال أنّ أكبر ثورة قام بها الإسلام هي إلغاؤه الوساطة بين الله تعالى وعباده، فباستثناء الرّسول صلى الله عليه وسلّم الّذي تصدّى للإجابة عن أسئلة المسلمين طيلة حياته، ليس هناك شخص ولا مؤسّسة من حقّها أن تدّعي امتلاك الحقيقة، أو أن تتكلّم باسم الله تعالى. كلٌّ يمكن أن يدلي بدلوه، كلٌّ يمكن أن يقدّم قراءته لكن على الجميع أن يعوا أنّهم في فلك النّسبيّة، فالله تعالى هو وحده المطلق.
5. مارست السياسة من خلال التحزب وانخراطك في حزب نداء تونس، ثم انسحبت منه بعد فترة لا بأس بها كما انك من المناصرات للمرأة، كيف تقييمين وضع المرأة العربية والحركات الأنثوية على الساحة بشكل عام، وما مدى نجاحها، وما هو دور الرجل في هذه القضية ؟
لم يطل انتمائي إلى الحزب السياسي أكثر من أسابيع، ربّما لأنّ للسّياسة إكراهاتها وحساباتها أمّا المفكّر فهمّه أن يكون حرّا وأن يعبّر عن مواقفه واقتناعاته دون أيّ حدود. مثلا، ولكي نربط بوضع المرأة العربيّة، فالأحزاب كثيرا ما تقرأ ألف حساب قبل التّعبير عن مواقفها من قضايا المرأة، وذلك خوفا من أن تخسر بعضا من خزّانها الانتخابيّ وهو في جلّه محافظ في البلدان العربية الإسلاميّة. أمّا الجمعيّات والحركات النّسويّة فلها هامش من الاستقلالية أكبر وهذا ما يسمح لها بأن تشتغل على توسيع هامش حقوق المرأة العربيّة. ولا ينكر إلاّ جاحد مدى تطوّر الحركات النّسويّة في السّنوات الأخيرة. مع العلم أنّ النّسويّة ليست فخسب من صفات النّساء وإنّما يوجد رجال نسويّون. فلا ينقسم المهتمّون بقضايا المرأة إلى نساء في مقابل الرّجال، وإنّما ينقسمون إلى نساء ورجال مساندين لقضايا المرأة العربيّة وحقوقها، ونساء ورجال غير مساندين لقضايا المرأة العربيّة.
6. ما رأيك بالتمثيل النسائي في الاحزاب السياسية أليست اتاحة الفرصة امام العنصر النسائي للمشاركة والوصول إلى مواقع صنع القرار هو عين ذات المساواة في صنع القرار الاجتماعي والسياسي ؟
التّمثيل النّسائيّ ضعيف لا فقط في الأحزاب السّياسيّة، وإنّما أيضا في مناصب الرّيادة عموما. فهناك مفارقة في كثير من الدّول العربيّة مفادها أنّ البنات هنّ المتفوّقات في الدّراسة الثّانويّة والجامعيّة على أنّ نسبة وصولهنّ إلى مراتب السّياسة العليا ضعيف جدّا في مفارقة تؤكّد العوائق المتنوّعة الّتي تعترض المرأة نحو صنع القرار. وقد حاولت بعض البلدان اعتماد التّمييز الإيجابيّ عن طريق آليّة الكوتا الّتي تحدّد للنّساء نسبة معيّنة من المناصب إلاّ أنّ هذه الطّريقة وإن تكن مقبولة، تظلّ متّصلة بمرحلة تاريخيّة معيّنة، والسّبيل الأنجع لتحقيق المساواة هو البحث العميق في العوائق الّتي تمنع المرأة من بلوغ الرّيادة، وهي في جلّها عوائق ذات صلة وثيقة بالعقليّات الاجتماعيّة الّتي تجعل المرأة ذات مسؤوليّة مضاعفة: شؤون البيت من جهة وشؤون الشّغل من جهة أخرى، وهذا ما يثقل كاهلها. إضافة إلى وصم النّساء المشتغلات بالشّأن العامّ وصما سلبيّا، ويكفي إلقاء نظرة على الشّبكات الاجتماعيّة الحديثة للتّأكّد من ذلك. ولكنّي أعتبر أنّ مستقبل ريادة النّساء في الطّريق إذ أثبتت الدّراسات والتّجربة أنّهنّ أقلّ فسادا إداريّا واقتصاديّا من نظرائهنّ الرّجال.
7. هل ستقبل د. ألفة منصبا سياسيا في يوم ما ؟
لا أحد يمكنه الرّجم بالغيب. لكن الأكيد أنّ المنصب السّياسيّ لا يعنيني في ذاته. هو فقط قد يعنيني إذا استطعت من خلاله أن أساهم، ولو مساهمة ضئيلة، في تغيير الواقع المجتمعيّ والقانونيّ لمواطني بلادي ولا سيّما مواطناته. ومع ذلك أعتقد أن لا أحد فينا قادر على أن يعرف دوره في الحياة أو مدى تأثير ذلك الدّور. هذا ما أشعر به إذ يخبرني بعض القرّاء بتأثير إحدى كتبي أو فيديوهاتي في حياته...عندها أعرف أنّ وجودنا في الحياة له معنى بلا شكّ، ولكن معرفة هذا المعنى وتحديده بشكل نهائيّ يتجاوزنا كبشر، وإنّما هو من أمر الله تعالى وحده.
8. تقول الأديبة الفرنسية سيمون دي بوفوار " المرأة لا تولد امرأة بل تصبح امرأة هل هو دأب ألفة يوسف في مسيرة بحثها، وعملها كأستاذة جامعية وفي تسيير وإنجاح مؤسسة الزواج والأسرة ؟
لا شكّ أنّ للعوامل المكتسبة دورا كبيرا في تكييف الإنسان. ولذلك كانت النّساء جميعهنّ مختلفات وكان الرّجال كلّهم مختلفين. أعتقد أنّ الفرد هو الجوهر، والنّجاح في الجمع بين إنجاح مؤسّسة الزّواج والأسرة من جهة ومسيرة البحث والالتزام بقضايا الشّأن العامّ من جهة أخرى رهين عوامل متعدّدة منها الشّريك ومنها الخبرة الحياتيّة ومنها الذّكاء العاطفيّ. وفي نهاية المطاف تبقى حكايا البشر مختلفة، وليس من حقّ أيّ منّا أن يصدر أحكاما على غيره. الأمر الثّابت هو أنّ المرأة إذا فقدت احترامها لذاتها كإنسان، وإذا اندرجت في منطق السّعي إلى إرضاء المنظومة الاجتماعيّة المتخلّفة، فإنّها تضع أوّل قدم على طريق الوجع والفشل معا.
9. ان المشاهد التجسيدية هي قمة في الإبداع والتصوير إلا ان البعض غافل عن ادراك كنه ذلك و لا يدرك مدى التأثير الذي تفرغه هذه المشاهد التجسيدية والمعاني الحضارية في الذهن والخيال والقلب كونها تمس وترا حساسا في أعماق النفس الإنسانية وتتفاعل بشكل معمق مع منطقة الوعي واللاوعي في وقت واحد، في فلم محمد رسول الله استنكر البعض فكرة عرضه ورحب البعض الآخر وكل فلسفته في ذلك، أين نجد ألفة يوسف من هذين الموقفين، وهل يمس بالذات المحمدية ؟
كثيرة هي الأبحاث الّتي اهتمّت بعلاقة الصّورة بالإسلام، على أنّها ظلّت مع الأسف أبحاثا نخبويّة نظريّة لم تؤثّر في تغيير التّمثّل التّقليديّ الّذي يعتبر أنّ الإسلام قد حرّم الصّورة. والواقع غير ذلك، أوّلا القرآن لا يشير إلى المسألة البتّة. وإذا استندنا إلى بعض الأحاديث لوجدنا أنّها لا تحرّم التّصوير في ذاته، وإنّما مقصدها التذكير بعدم عبادة الصّور أي التّذكير بعدم الشّرك في معناه العميق. ونحن في حاجة إلى أن نستحضر دوما أنّ الله تعالى هو وحده من "ليس كمثله شيء"، أي ما لا يمكن تجسيده. لا ننسى العبارة الشّهيرة: "مهما يخطر ببالك فالله بخلاف ذلك". وهذا منطقيّ لأنّ الله تعالى ليس واحدا من الموضوعات وإنّما هو الذّات الجوهريّة الّتي بها يكون الوجود. أمّا كلّ المخلوقات فمواضيع. والرّسل بشر، مهما تكن مكانتهم عند الله تعالى، ومهما يكن جلال دورهم، فهم بشر. وهذا ما يصرّح به القرآن نفسه إذ يشير إلى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: "قل إنّما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ" (الكهف،110). ومن هنا فتجسيد الرّسل ممكن، بل لعلّه يقرّب رسالتهم من بعض الأنفس، ويعمّق حبّنا وتقديرنا لهم في عصر غدت فيه الصّورة طاغية ومؤثّرة. والأهمّ، فإنّ تجسيد الرّسل سيذكّر أنّ التّجريد المطلق لا يكون إلاّ لله تعالى وحده بما يبعدنا عن الشّرك بكلّ وجوهه.
10. وجه الله، أخر إصداراتك، هل هو إشارة إلى ان سبب إخفاق بعضنا في معرفة قيمة وكيفية حضور الله قلبيا وعقليا . الشيء الذي يخلق توازن نفسي للفرد والمجتمع ويساعد على تأسيس أجيال متمكنة من أدواتها المعرفية ومواكبة للنهضة العلمية وفي نفس الآن ممسك بتلابيب الهداية حتى يحقق توازنه النفسي والاجتماعي ؟
أعتقد أنّ جلّ المسلمين نجحوا في عبادة القرآن وفشلوا في عبادة الله، وهم نجحوا في التّطبيق الشّكليّ للشّعائر وفشلوا في النّفاذ إلى عمقها وأبعادها، وهم نجحوا في التّمسّك بالأحكام الفقهيّة وفشلوا في تأسيس منظومة قيميّة وأخلاقيّة، وهم نجحوا في تجربة الإسلام ولكنّهم فشلوا في تجربة الإيمان...وكتاب "وجه الله" سعي إلى التّذكير بأنّ جوهر الأديان والرّسالات هو استحضار الله في كلّ شيء وفي كلّ آن بما ينتج عن ذلك من أخلاق وعمل صالح واحترام للاختلاف الّذي يؤسّس البشريّة. كتاب "وجه الله" يقدّم ثلاثة سبل إلى الله تعالى هي سبيل العمل وسبيل الرّضا وسبيل الذّكر. ويستند إلى التراث الصّوفي ليحاول تقديم قراءة روحانية حديثة لتجربة الإنسان في الوجود ولعلاقته مع الله عزّ وجلّ.
-----
كاتبه المقال
الدكتوره امنه محمد عبائديه
إرسال تعليق
سياسة التعليقات على موقع الثقافية التونسية.
1. يرجى الالتزام بالتعليق على الخبر أو التقرير أو المقال نفسه ، والابتعاد عن كتابة تعليقات بعيدة عن موضوع الخبر أو التقرير أو المقال.
2.يرجى الامتناع نهائيا عن كتابة أي عبارات مسيئة أو مهينة أو أي كلمات تخدش الحياء أو تحمل سبا وقذفا في أي شخص أو جهة أو تحوي معان مسيئة دينيا أو طائفيا أو عنصريا