خوض خجول في نصّ "شاعرة" لفوزية العلوي بقلم الاستاذه منوبية الغضباني

 خوض خجول في نصّ "شاعرة" لفوزية العلوي

قراءة الاستاذه منوبية الغضباني

____________________ النّصّ المُشتَغَلُ عليه شاعرة حين تعجزنا الأرض نقترف الشعر وحين تضيق بنا المدينة نعتلي مراقي الكاف والنون متوكئين على الألف نطاول بها العناقيد العصية ونستقطر أرج أيامنا من كرمة الوقت. كن سيدا يا قلب ولا تكن أبدا من الرعاة الخاسرين كأسك مفردة تدور كالفلك فاياك أن تصطف ترقب وردك مع الآخرين وإياك إياك أن تشكو النصب من تراهم كي يدركوك ومن علمهم كنوز الأسرار حتى يدركوا مفاتيح قلبك خذ الكتاب بقوة ودعهم يتهجؤون عمي الحروف لن يبلغوا ابدا ضياء ولن يغيثوا من مسغبة ولن يعتقوا من حزنه أحدا كن بي أيها الشعر وكن لي وكن معي لا تدعني لعجزهم ولا لسلطتهم الواهمة ولا تدعهم يشيروا لي باطرافهم الموحلة انا النجمة القصية انا الغيمة العصية التي لا تهطل إلا إذا أشار لها القلب __________________________________________ استوقفني هذا النّص الشّعريّ للمبدعة فوزية العلوي وهو نصّ يتشكّل في خضّم نفسيّ متوتّر .فالوشائج التي تقترن بالشعر والشاعرة تلتقي مع قولة أرسطو في ردّه على رأي افلاطون في مؤلفه القيّم "فنّ الشّعر"..."الشّعرلذّة" والشعر وسيط لما يعتمل في دواخل الشاعرة من رؤى وأحاسيس يغدوبها العالم كونا مفعما بالجمال والأمل . وقد استهلت النصّ بقولها ____________ حين تعجزنا الأرض نقترف الشعر وحين تضيق بنا المدينة نعتلي مراقي الكاف والنون متوكئين على الألف ___________________________ فافتراف الشّعر والحالة تلك فعل ينهض بدرء كلّ اعجاز يجيئ من هذه الأرض ورمادية مشاهدها ....وضيق مدنها .حتّى كأنّه الأفق المفتوح والمباح بحثا عن السكينة والجمال ..وقد توسّلت بالألف واتكأت عليه باعتباره أول حروف هذه الأبجديّة ’ السّاحرة وشبكته بخواتمها "الكاف والنّون" لتجعل الشّعر حالة لغويّة مستمرّة الغليان تطاول العناقيد العصيّة وتستقطر أرج الأيام من كرمة الوقت... وقد أوتيت شاعرتنا في هذا المقطع اقتدارات من نمط آخربالممكنات المجازية الموظّفة في "استقطار الأرج من كرم الوقت"ومطاولة ما استعصى من العناقيد ... لتفتح متاهات نهي وأمر وتحذير في المقطع الموالي بقولها ______________________ كن سيدا يا قلب ولا تكن أبدا من الرعاة الخاسرين كأسك مفردة تدور كالفلك فاياك أن تصطف ترقب وردك مع الآخرين وإياك إياك أن تشكو النصب ________________________________ فالمتأمّل في التّقنيّة اللغوية الواعية يدرك الدلالات العميقة التي تُلوّح بها الشاعرة فمدارات المبدع لا تعترف بغير تجلي الذات وريادتها لها حتّى كأنّنا بالشّعر نحبط الموهن والرديئ.... وقد توسّلت بصورة التحذير بتكرار أداة تتجّه بها مباشرة عن طريق صيغة المخاطب المباشر ___________________________ فأياك وإيّك وإيّاك داعية ضمنيّا للتّمرّد على النّصب داعية ايانا لتدقيق أكثر مدلفة بنا الى عمق الكون الشعري والذي لا يتحرك في مداه غير قدير...وقد عمّقت المقصد بالأسئلة الإستنكارية والمستخفّة بغير الشعر والشعراءفي قولها _______________ من تراهم كي يدركوك ومن علمهم كنوز الأسرار حتى يدركوا مفاتيح قلبك _____________________ ففضاء الشعر فردوسي لا يصنعه غير الشعراء ويتحرك الوعي الشعري في الذات الكاتبة باستلهاماته وعوالمه فتأمر ببياناتها النافية قطعيا مع "لن الزمخشرية "حول مدارات دلالية تجعلها المتفردة الوحيدة بالفهم والإدراك مفصّلة الأسباب والعوائق ______________ لن يبلغوا أبدا ضياء ولن يغيثوا من مسغبة ولن يعتقوا من خزنه أحدا ___________________________ فوحدها الكتابة وفعلها السّحريّ تعتق وتحمّ لنا رؤى جديدة مشرقة ويبلغ النّص ذروته وتتكثّف طاقاته التعبيريّة لتفصح عن موقف ذات تتوسل بالشّعر كملاذ أن ___________________________ كن بي أيّها الشّعر وكن لي لا تدعني لعجزهم حتى يصير الصهيل أكثر وقعا والرّفض أشدّ اصرارا لا تدعني لعجز(هم) ولا لسلطت(هم) الواهية ولا تدع"هم" يشيرون الي بأطرافهم الموحلة وكأنّ بشاعرتنا تقترح علينا وجهة أخرى يتموضع فيها ضمير الغائبين ليستدرجنا الى مناط التدليل عليهم .... هؤلاء الذين يزيدون من شدّ طوق الحصار والخنق على رقابنا...ببرامج واهية ووعود كاذبة ورداءة خياراتهم ويبقى الصدى الأخير هو الأقوى وهو الذي يعلي شأن الشّعر والشّعراء فلا ريادة لأحد على الشّعر والشّعراء ولاسلطان عليهم غير سلطان الإحساس والقلب أنا النجمة القصيبّة أنا الغيمة العصيّة التي لا تهطل الاّ اّا اشارلها القلب قفلة رائعة موفقة تعني الوعي ثم الوعي والوعي بالذات وكتابة الذات والعناية بالذات وتوسيع أفق الإنصات لذواتنا لا غير ...ليبقى الشّعرالخيط الذي نمسك به سرّ الحياة والوجود ... فوزية جعلتني أؤمن أنّ استدعاء عوالم الجمال وامتلاكها لا يكون بغير الشّعر...دمت شاعرة تمتعنا بقصائد من نور.