الصراعات الأهلية العربية فوضى غير خلاقة
د.أحمد القديدي
استعرضت في هذه المقدمة بعض أحداث وأحوال العرب والباب مشرع على مصراعيه هنا وهناك لتفاقم العنف في حروب أهلية محدودة لكنها قاتلة وفي صراعات مسلحة تبدأ من السلاح الشخصي الخفيف إلى السلاح الميداني الثقيل وتتسع رقعتها الجغرافية رويدا رويدا لتبلغ الأبرياء والعزل والأطفال والنساء والشيوخ وحتى المرضى في المشافي كما وقع في العراق وسوريا و اليمن. إننا بإزاء منعرج خطير بسبب إلغاء الحوار السلمي بين أصحاب قضية ليتحول إلى حرب مفتوحة بين القبائل والطوائف والأحزاب في غفلة من رشاد المفكرين ووساطة العقلاء وبعيدا عن طاولات المفاوضات. ونحن إذ نعرض لأشد المحطات العربية حرارة وتهديدا للأمن القومي وللسلام العالمي يجب ألا ننسى بؤرا خطيرة تشكل مخاطر مستقبلية تنذر بالعنف و توسع الحروب الأهلية كأنها قنابل موقوتة مبرمجة للانفجار بعد حين أو أحيان من ذلك وضع اليمن بين داعين للانقسام ومنادين بالوحدة ومن ذلك الخلاف القائم بين الشقيقتين المغاربيتين: الجزائر والمملكة المغربية حول مصير ومفهوم الصحراء ومنظمة البوليزاريو وكذلك طموح الأكراد لإعادة تأسيس دولة كردستان ولانزال نحن في بلدان المغرب الإسلامي نعاني من مصائب جنوب الصحراء في مالي وإفريقيا الوسطى و جنوب الصحراء وفي هاتين الدولتين انسحبت القوات الفرنسية بترخيص أممي كانت تقاتل تحت غطاء “مقاومة الإرهاب” وإنقاذ المدنيين ويجب الإعتراف بأن العالم العربي يمر بمحنة تاريخية لعلها أصعب إمتحان في الثلث الأول من القرن الحادي والعشرين ومن أيسر التفاسير وأكثرها سذاجة أن نرمي الأمم الأخرى بإرادة تخريب البيت العربي وتقويض دار الإسلام لكن الأسباب أعمق وهي تديننا نحن قبل أن تقنعنا بنظرية المؤامرات ضدنا فنحن أخطأنا اختيار طريق الاستقلال واستبد بنا من صلبنا طغاة غيبوا الدولة القوية العادلة رغم الأنظمة الجمهورية وحكمونا كرعايا لا كمواطنين وأشاعوا بيننا منطق فرعون (لا أريكم إلا ما أرى) ثم إننا اعتبرنا أن منظومة الفيدرالية منظومة تقسم الشعب بينما هي منظومة حق وتعايش فانظر إلى سويسرا وإلى بلجيكا تجد أنهما نظامان كونفيدراليان تضم مقاطعات مستقلة أمنة تتكلم لغات مختلفة وتنتمي لأصول ثقافية متباينة لكن تجمع بينهم جميعا راية سويسرية أو بلجيكية واحدة فهل تعلم أيها القارئ الكريم أن برلمانات هذين الشعبين تحتاج إلى طواقم من المترجمين لنقل أفكار النواب من اللغة الفرنسية الى الالمانية إلى الفالونية إلى الهولندية أو الإيطالية لكن الجامع بين الناس هناك هو مبدأ المواطنة والمساواة أمام القانون. هل اخترنا نحن العرب لأنفسنا الأوهام والشعارات والظاهرة الصوتية لنحقق عقيدة المحافظين الجدد في عهد بوش الإبن القائلة بضرورة إنتشار الفوضى الخلاقة؟ (وهو مصطلح كانت كندوليزا رايس أول من استعمله) الأكيد أننا دخلنا منطقة الزوابع والمخاطر أي انخرطنا في الفوضى ولكننا أردناها لا خلاقة ولا واعدة بل مدمرة وأخر دعوانا ربنا أتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا. ولا ننسى أن هذه الأية الكريمة من قول الله تعالى على لسان أهل الكهف إذ أوى الفتية إلى الكهف. ونحن أشبه بأهل الكهف في سباتهم العميق والطويل لكن دون تقواهم
إرسال تعليق
سياسة التعليقات على موقع الثقافية التونسية.
1. يرجى الالتزام بالتعليق على الخبر أو التقرير أو المقال نفسه ، والابتعاد عن كتابة تعليقات بعيدة عن موضوع الخبر أو التقرير أو المقال.
2.يرجى الامتناع نهائيا عن كتابة أي عبارات مسيئة أو مهينة أو أي كلمات تخدش الحياء أو تحمل سبا وقذفا في أي شخص أو جهة أو تحوي معان مسيئة دينيا أو طائفيا أو عنصريا