أخطر تصريح لماكرون: إنتهت هيمنة الغرب!
د.أحمد القديدي
قبل أيام قليلة من إنتخابات فرنسا الرئاسية (يوم 10 أبريل2022) و في مؤتمر صحفي بباريس يبدو عاديا فاجأ الرئيس المنتهية عهدته و المرشح لعهدة ثانية (إيمانويل ماكرون) الرأي العام بتصريح أعتبره من أخطر ما قال الرجل وهو الذي تمرس بالسياسة الوطنية و الدولية منذ كان وزيرا للإقتصاد في حكومة الرئيس السابق فرنسوا هولند إلى أن تحمل بإرادة الأمة مسؤولية رئاسة الجمهورية سنة 2017 و لهذا السبب يعتبر ما قاله إمانويل ماكرون ذا أهمية بالغة و في مستوى التاريخ الحديث و تفضلوا بتقييم كلامه بأنفسكم. قال :"يجب أن نعترف بحقيقة ليس منها مناص وهي أن هيمنة الغرب الأبيض المسيحي على العالم إنتهت! الهيمنة التي بدأت منذ القرن الثامن عشر مع نضج النهضة الصناعية و البخارية الأوروبية و تعملقها و جعلت قارتنا عن طريق بريطانيا و فرنسا تتوسع إلى ما كان يعرف بالعالم "المختلف" عنا ثقافة و حضارة و أديانا و أعراقا وهو العالم غير الأوروبي الذي اعتبره أجدادنا (متوحشا و بربريا)! فاستعمرناه بقصد (تمدينه و إلحاقه بالحضارة البيضاء بل و تنصيره بديننا المسيحي و تعليمه لغاتنا و إلباسه قبعاتنا و قمصاننا و كسواتنا) ربما بنية "إنقاذه" من التخلف و التوحش و نشأ منا نحن منظرون أمثال (أرنست رونان) و (جول فيري) يبررون إستعمارنا و يمهدون الطريق للهيمنة الشاملة التي مارسها الغرب الأوروبي على إفريقيا و أسيا و أستراليا إلى تخوم الحرب العالمية الأولى (1914-1918) حيث أدركت القارة الأمريكية أنها مضطرة لدخول الحرب (الأولى ثم الثانية) لنصرة بل لحماية أوروبا أمها الحضارية من الخطر النازي و الفاشي و تعلمون ما وقع بعد 1945 عند نهاية الحرب العالمية الثانية حين أصبحت الولايات المتحدة هي القوة الغربية الأولى و العظمى و أفلت نجوم أوروبا و انسحبت بريطانيا و فرنسا من كوكب صناعة التاريخ و توجيه دفة الحضارة لتصبحا قوتين ثانويتين تحتاجان إلى حماية واشنطن في الحرب الباردة. و استمرت أمريكا تقود العالم كقطب أوحد حيث لم يشك أحد في تفوقها التكنولوجي و الاقتصادي ثم العسكري إلى أن بدأت تتأسس قوى أخرى وافدة أولها التنين الصيني الذي استيقظ على رأي المفكر الفرنسي (ألان بيريفيت) كما يستيقظ المارد من فانوس علاء الدين السحري في ملحمة ألف ليلة و ليلة و نشأت قوة الصين أولا كعملاق شيوعي ثم كوحش ليبرالي رأسمالي يأكل جميع الأسواق العالمية و يغرقها ببضاعات متنوعة و بخسة الأثمان تزاحم كل صناعات الأمم الأخرى من الإبرة لحاملة الطائرات و من اللعبة إلى البواخر العابرة للقارات ثم منذ عام 1978 دخلت بيجين بكواكبها الصناعية عالم الفضاء الخارجي لتنافس واشنطن و موسكو و تغزو القمر و المريخ و زحل و رجعت الصين لمشروع (طريق الحرير) تغري به الشعوب المستضعفة و تحول ملايين العمال و النهندسين و الخبراء و رجال الأعمال الصينيين إلى دول إفريقيا و أسيا ثم إلى أوروبا و الولايات المتحدة و كندا و نفض التنين الصيني الأسطوري عنه غبار القرون ليقف و يتحرك و يسعى إلى درجة أن مخزون الدولار (العملة الأمريكية الخضراء) أضخم رصيدا في بنوك الصين من البنوك الأمريكية ذاتها ! و لعل المبادلات الأمريكية الصينية قريبا ستكون باليوهان (بعد استقرار قيمة صرفه بالدولار منذ مايو 2018!) أما القوة الثانية الصاعدة فهي طبعا روسيا التي يريد بوتين إستعادة أمجادها القيصرية منذ توليه السلطة قبل عشريتين وهو إبن المؤسسة السوفييتية تربى و ترعرع في أحضان (الكي جي بي) و ابن بوريس يلتسين المغامر السكير الذي ضرب البرلمان بالمدفعية حين خاف الإنقلاب الدستوري عليه بداية التسعينيات! وطلعت في التجارة الدولية كل من الهند و البرازيل و فرضت نفسها دول أصغر لم يقرأ لها الخبراء حسابا أمثال تركيا و أندونيسيا و ماليزيا و كوريا الجنوبية و إيران و سنغفورة و يمكن أن نحسب بينها كتلة مجلس التعاون التي تجاوزت أزمتها الأخيرة و استعادت عافيتها و ظهرت دولة قطر كوسيط للسلام و الأمن الدوليين منذ أزمات السودان و لبنان و فلسطين إلى إنهاء الحرب الأمريكية الأفغانية بالنجاح الذي اعترف به العالم. هذه الحقائق لم يقلها الرئيس الفرنسي بتفاصيلها لكنني شعرت أنه فكر فيها و صنفها من بين المعطيات التي أنهت سيطرة الغرب على العالم ليصبح العالم متعدد الأقطاب و جاءت الحرب الأوكرانية لتذكر الغافلين أن لهذه الخارطة الجديدة حدودا حمراء لا يجوز تجاوزها بيسر و بنفاق و بدبلوماسية الخديعة. و لعلكم تسألون :و نحن العرب ما مصيرنا و ما وزننا في هذه الخارطة الجديدة الأعدل ؟ و الجواب هو أن نخبنا مطالبة من قبل شعوبنا بأن تتجاوز أحقادها الأيديولوجية لتواجه العالم بدول قوية ذات مؤسسات منتخبة و ممثلة لكل مواطنيها وهو الخيار الأوحد و عكس هذا سيؤدي بالعرب إلى هامش التاريخ و خارج الحضارة لتعود أمتنا إلى عباءة مستعمريها يتولون شؤونها نيابة عن أبنائها و هذا هو الذي وصفه الله تعالى ببئس المصير لا قدر الله
إرسال تعليق
سياسة التعليقات على موقع الثقافية التونسية.
1. يرجى الالتزام بالتعليق على الخبر أو التقرير أو المقال نفسه ، والابتعاد عن كتابة تعليقات بعيدة عن موضوع الخبر أو التقرير أو المقال.
2.يرجى الامتناع نهائيا عن كتابة أي عبارات مسيئة أو مهينة أو أي كلمات تخدش الحياء أو تحمل سبا وقذفا في أي شخص أو جهة أو تحوي معان مسيئة دينيا أو طائفيا أو عنصريا