في ادب المقامة // المقامة الباريسية بقلم الكاتب الاديب كمال الشطي في ادب المقامة // المقامة الباريسية بقلم الكاتب الاديب كمال الشطي

في ادب المقامة // المقامة الباريسية بقلم الكاتب الاديب كمال الشطي

 المقامة الباريسية

:بقلم كمال الشطي

حدّثنا أحدهم, وهو أصدقهم ’ قال: مللت البحر والسباحة’ وارتياد المقاهي والحرمان من التجوال و السياحة’ واشتاقت نفسي إلى السفر والرحيل’ بعيدا عن وطني العليل’ لعلّني أجد جوابا يشفي الغليل’ عمّا يسوده من ضجيج وعويل.... فشددت الرحال’ إلى باريس عاصمة الأنوار والآمال’ أنشد العزلة و التأمل والتفكير’ وتدارس علل انتشار الإرهاب والتكفير.
قال محدّثي خامرتني وصية صديقي الأديب الهكواتي /1/بارتياد مقهي طالما ألهمه قصائد هكواتية فائحه’ بمأساة العرب بائحه’ فجلست في مقهى الجسر الصغير’ في الحي اللاتيني الذي يضم مجامع الفكر المستنير’ كجامعة السوربون’ ومدافن أعلام البانتيون’ ومعهد باستور وكل معهد ومخبر كبير أحملق في معلم كنيسة نوتردام منبهرا بالأعمدة الرخامية’ والأجراس القوطية’ والتماثيل الناطقة’ والأبراج الباسقة’ إلى أن رحلت بي إغفاءة نوم’ إلى تاريخ هؤلاء القوم’ الذين أتقنوا السباحة والعوم’ في كل الفنون دون هوادة أو صوم .
رأيت في المنام أحدب نوتردام يتدحرج فوق سقف الكنيسة’ رفقة محبوبته النفيسة’ فطفقت أدعو فكتور هيغو كاتب الرواية’ راجيا منه شرح ما تضمنت من عبر ووصايا.... فأعرض عني قائلا :هل أجد لديك أيها العربي الفكر الرشيد، " ’ حتى استطيع الإيفاء بما تريد’ وقد علمت أنكم أضعتم القيم’ وبعتم الذمم’ ودجّنتم القلم’ واستبحتم العلم’ رمز الوطن وفخر الأمم؟.
قلت أيها الأديب’ ذو الرأي السديد’ إنك تعلم حق العلم ثراء تاريخنا البعيد ’ وحكاية الساعة التي أهداها للملك شارلمان’ هارون الرشيد’ فظنها سحرا ساكنها شيطان’ وفتتها إربا بإشارة من الرهبان .
قال فكتور هيغو: ذلك رجع بعيد’ فأتوا إن قدرتم بالجديد’ أم أنكم استسلمتم لخرافة رهبان هذا العصر’ فصوبتم فؤوسكم نحو العراق واليمن وسورية وكل مصر’ فحاق بكم الإفلاس والخسر’ عندما وقع عليكم الشيخ ترومب وقوع النسر.
قال الراوي أفحمني فكتورهيغو بهذا الكلام ’فلم أجد بدا من الاستسلام ’وعدت إلى إغفاءتي لعلي أجد من يواسيني في عالم النيام ’ إلى ا ن أفقت من جديد ’على وقع أقدام من حديد ..... لقد عاد إلي السيد هيغو مصطحبا معه جان فلجان بطل رواية البؤساء’ الذي رمقني شزرا بنظرة كادت ترديني في الفناء .
قال جان فالجان وقد تطاير من عينيه الشرر : سرقت خبزة واحدة فلقيت الأدهى والأمر’ وأنتم تزكّون من يسرق خبز الشعب وترحبون به كلما جاء أو مر’ الويل ثم الويل لكم من حكم التاريخ إن كتب أفعالكم في سجلّ العبر .
قال الراوي بقيت مشدوها مندهشا لا أعي قولا ولا فعلا انظر إلى فكتور هيغو ووليده جان فالجان من طرف خفي وقد ألمّ بي الوجع ’وتملّكني الفزع ’ وانتشر من حولي الضباب ’وأمطر جبيني عرقا غزيرا دون سحاب .
التفت يمنينا وشمالا أريد الهرب’ والتخلص من هذا النصب ’غير انه تناهت إلى سمعي التائه جلبة’ كانت متأتية من حلبة’ ضمت زمرة من الرجال بادروني بالسؤال ’عما ينتظر وطني من مآل..... لم أدر جواب’ وتصاعدت من حلقي زفرات كنعيق الغراب...ثم طفقت أحفر في الذاكرة ’عن إشارات تعرفني بهذه الزمرة الماكرة....فهذا الذي يتقدمهم فولتار والآخرون روسو ودي كارت ومنتسكيو..لقد رفعوا عقيرتهم مترنمين بمعاني الحرية’ قائلين إنها ليست مطلبية ’ولا انتهازية ’ ولا فوضوية بل وطنية ’ومسؤولية.
تملكتني الهواجس والوساوس وقد علمت أن بعض هؤلاء جاءني من مدفن البانتيان حيث يقبرون فانتهزت غفلة من الجميع وغادرت مقهى الجسر
الصغير’ خائفا مترقبا مرتميا في أحضان نهر السان المثير’ أحمل رسالة تحت الماء إلى ساسة في وطني خانوا الخبز والماء’ منتشرين فيما ينيف عن مائتين من الأحزاب ’ غلّقوا دون شعبهم كل الأبواب’ وجانبوا الحق والصواب ’وسجد بعضهم للأجنبي أو لأحمق عربي سجود الدواب’ متناسين وعيد رب الأرباب.
قد تكون صورة ‏‏‏شخص واحد‏، ‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏ و‏نصب تذكاري‏‏

التعليقات

سياسة التعليقات على موقع الثقافية التونسية.
1. يرجى الالتزام بالتعليق على الخبر أو التقرير أو المقال نفسه ، والابتعاد عن كتابة تعليقات بعيدة عن موضوع الخبر أو التقرير أو المقال.
2.يرجى الامتناع نهائيا عن كتابة أي عبارات مسيئة أو مهينة أو أي كلمات تخدش الحياء أو تحمل سبا وقذفا في أي شخص أو جهة أو تحوي معان مسيئة دينيا أو طائفيا أو عنصريا

أحدث أقدم

إعلانات

إعلانات