قصة قصيرة بعنوان " ليل طويل " مهداة لروح ريان بقلم رجاء بسبوسي قصة قصيرة بعنوان " ليل طويل " مهداة لروح ريان بقلم رجاء بسبوسي

قصة قصيرة بعنوان " ليل طويل " مهداة لروح ريان بقلم رجاء بسبوسي

قصة قصيرة " ليل طويل "

 مهداة لروح ريان






 بقلم رجاء بسبوسي*

. لماذا لا تشرق الشمس في هذا المكان؟ وأنت يا أمي، لماذا لا تطلّين بوجهك المشرق فتزيلي عني ظلمة المكان ووحشته؟
 أشعر بالخوف كثيرا، طال بي المقام هنا وأنت تعرفين أنني صغير وأنني أموت خوفا من الظلام. فهلاّ ناديت أبي كي يخرجني من هنا بساعديه القويين؟
وحدتي قاسية لو تعلمين يا أمي، أحاول أن أتحسس المكان علّني أعثر على يديك تحنوان علي، علّهما تحملاني إلى حضنك فأرتوي منه وأشبع، فلا أجد غير هذا الخواء البارد والقاتم. رأسي يؤلمني، وهذا الماء الأحمر الذي تدفق منه مذ سقطت يبِس ولم تأت لا أنت ولا أبي لتجفيفه كما تفعلان دائما كلما سقطت. فما الذي أخركما هذه المرة؟ 
آه من هذا الألم الذي يفتك بجسدي الصغير دون رحمة! ألهذا حذرتماني من الاقتراب من هذه الحفرة؟ كنتما تعرفان ما تخبئه لي من ألم ورهبة وحزن؟
كل سنواتي الخمس لم أبك مثلما بكيت في هذه الحفرة، ولم أتألم ولا خفت مثلما فعلت وأنا أعزل في ظلمتها. لماذا تخبئ الحفر كل هذا الألم للأطفال الصغار؟ ألا تمتلك الحُفر قلبا رحيما كقلبك يا أمي؟ وماذا لو ابتلعتني هذه الحفرة للأبد؟ ماذا لو تآكلت وانتهيت وحيدا بين أسنانها؟ هل ستطلان علي كل يوم من فوهتها وكأنكما تزوران قبري؟ أم أنكما ستنسيانني لأنني لم أسمع الكلام واقتربت منها؟
 جسدي يؤلمنى ولا أقوى على تحريكه. المكان هنا ضيق وبارد ومظلم ومُترِب وخانق، فهلاّ أسرعتما لإخراجي؟ ألم تسمعا بكائي؟ ألم تنتبها لأنّاتي؟ ألم تتخيلا بشاعة المكان؟ أرجوكما لا تتركاني هنا؟ أعدكما أنني لن أقرب هذه الحفرة اللعينة مجددا. فقط أخرجاني من هنا لأنني أخاف العتمة، وأخاف النوم بعيدا عنكما، أتوسل إليكما أخرجاني من هذا الظلام الضيق. 
هل سقطت في بيت غولة حكايات جدتي وأنتما تخافان الاقتراب من بيتها حتى لا يبتلعكما مثلما فعل معي؟ أسمع أصواتا غريبة كصوت جرار عمي الكبير. هل جاء بجراره كي يقتلعني دفعة واحدة من خوفي وحزني ومن هذا الألم الذي يقضم سنواتي الخمس على مهل وكأنه يتلذذ بنهايتي؟ أسمع أصوات أناس كثر وهتافات، ما الذي يحدث فوق؟ هل يئستما وأقمتما جنازتي؟ أرجوكما لا تفعلان؟ 
أرجوكما أنقذاني .. لا أريد أن أنتهي وحيدا هنا. أتتخيلان قسوة أن ألفظ أنفاسي الأخيرة وحيدا أرتعش من الخوف والبرد في حفرة؟ أحاول أن أتمسك بهذه الأنابيب الطويلة التي تصلني من فوق لعلها تجذبني إليكما، ولكني لا أقوى على الحركة. هل هي أنابيب الأمل تصلاني بها كي أقاوم أكثر؟ إن كانت كذلك فلتعلما أنني غير قادر على التمسك بها، فأرجوكما تعالا واقتلعاني من عزلتي المخيفة هذه! كنت دائما تقولين لأبي يا أمي أن بعد كل ليل تشرق الشمس، فلماذا تأخرت عني شمس الصباح في هذه الحفرة العميقة؟ 
أنا صغير ولا أدرك مثلكما متى وكيف تطل الشمس برأسها على الحُفر. هل تُحمل على أكف الأمهات مثلما تُحمل أطباق الطعام؟ أم لعلها تحمل على أكتاف الآباء القوية كما تُحمل الأثقال؟ لا يهمني كيف ستجيئ الشمس إلي، المهم أن تأتي وأن أعانق النور من جديد وأنا أتمسّح في حجرك يا أمي. 
آه كم أشتاق إليك يا أمي وكم أحن لأن أحط رأسي الصغير في حجرك وأنام! 
تأخرتما طويلا عني، أشعر بتعب شديد ولا أستطيع المقاومة أكثر. سأنام هذه المرة نوما عميقا ومريحا لأنني لم أعد قادرا على التحمل، وأعرف أنكما تحباني ولن أعتب عليكما لأنكما لم تُحضرا الشمس إلى حفرة ليلها طويل. 
أحبكما .. فأرجوكما لا تبكيان. 
*****************
*كاتبة من المغرب
 رجاء بسبوسي 
oumespoir7@gmail.com

التعليقات

سياسة التعليقات على موقع الثقافية التونسية.
1. يرجى الالتزام بالتعليق على الخبر أو التقرير أو المقال نفسه ، والابتعاد عن كتابة تعليقات بعيدة عن موضوع الخبر أو التقرير أو المقال.
2.يرجى الامتناع نهائيا عن كتابة أي عبارات مسيئة أو مهينة أو أي كلمات تخدش الحياء أو تحمل سبا وقذفا في أي شخص أو جهة أو تحوي معان مسيئة دينيا أو طائفيا أو عنصريا

أحدث أقدم

إعلانات

إعلانات