الكتابة المدهشة اعظم ثورة فكرية شهدتها الانسانية..بقلم كريم مختار الكتابة المدهشة اعظم ثورة فكرية شهدتها الانسانية..بقلم كريم مختار

الكتابة المدهشة اعظم ثورة فكرية شهدتها الانسانية..بقلم كريم مختار

 الكتابة المدهشة، اعظم ثورة فكرية شهدتها الإنسانية

---

كريم مختار

---





من أحد نقاشات أفلاطون: "كان الاله ثوث يناقش اختراعه عن الكتابة مع الإله آمون الذي أنّبه بهذه الكلمات: اكتشافك هذا سيخلق النسيان في نفوس التلاميذ لأنهم لن يستعملوا ذاكرتهم وسيعتمدون على الكلمة المكتوبة بدلاً من تذكر الاشياء، ما اكتشفته ليس وسيلة مساعدة للذاكرة ولكن "للتذكير"، واذا أعطيت مريديك مشابهات الحقيقة بدلا من الحقيقة نفسها فسينساها الجميع؛ ستبدو عليهم علامات المعرفة ولكنهم بشكل عام لايعرفون شيئاً وبذا تكون صحبتهم مضجرة؛ اذ ستكون لهم سحنة الحكمة ولكن ليس لديهم شيئ منها."

كان الحديث هنا عن نشأة الكتابة المصورة (pictograph) ، لم تعرف هاته الآلهة المصرية الإفتراضية القديمة أن الكنعانيون والقرطاجيون نجحوا في حل جزء كبير من هذه المعضلة التي كانت تزعجهما... نجحوا في ذلك عبر تحويل منظومة الكتابة المصورة إلى منظومة جديدة تماما ترتكز على رسم الأصوات عوضا عن رسم الأشياء.. نقلة هائلة في تاريخ البشر وزلزال ضخم هز وعي الإنسان وألقى به في عالم جديد.. عالم تتنقل فيه المعلومة بسرعة لم يرها آدمي من قبل... بل إن تأثير هذه المنظومة الجديدة تعدى البشر ليصل إلى حد التأثير في الزمن نفسه فاختزله وكاد يسيطر عليه.. إنها منظومة الأبجد وربما أكبر ثورة علمية على الإطلاق في تاريخ الجنس البشري. قسم الكنعانيون والقرطاجيون الأصوات إلى 22 رمزا نعرفهم اليوم بمصطلح "حروف". تحولت صور الأشياء الملموسة إلى رموز مجردة لأول مرة... لم يكن إبتكار الأبجد استنباطا لرموز صوتية نخلدها على المعابد والجدران والمخطوطات فحسب، بل كان إبتكارا لعالم كامل وجديد من الرياضيات.. نعم... رياضيات اللغة... المرفولوجيا وغيرها من المفاهيم المعقدة التي فك أجدادنا شفرتها وترجموها، بعبقرية، إلى شيء يسهل فهمه من الجميع.

حرف "ألف"، وتعني ثور عند الكنعانيين والقرطاجيين.. أول هذه الحروف.. رمز الصيد وحرث الأرض لزراعتها والاكل للبقاء على قيد الحياة... أول الأولويات...

ثم حرف "بيت"... ولم تتغير في العربية إلى اليوم: بيت أو منزل... ثانيها.. فبعد الصيد والطعام يأتي وقت الأمن والشعور بالراحة (رمزية البيت)

جيمل، وتعني "جمل" بالعربية... ثالثها... وهي رمز من رموز التنقل لمسافات طويلة (حاجة هؤلاء الأقدمين الثالثة)... التنقل للتجارة، لجلب الثروات... لتأمين المستقبل بعد أن أمنا الحاضر (الطعام والبيت)...

وهكذا، حتى نكمل رحلة الأبجد لنكتشف درجة الخيال والإبداع والعبقرية بل والرومنسية التي بلغها مبتكروا الأبجد من الكنعانيين والقرطاجيين. ثم تطورت لغة هذا الأبجد أكثر فأكثر في قرطاج بعد سقوط مدن الشرق الناطقة بنفس هذه اللغة، جميعها، الواحدة تلو الأخرى... صور... صيدا... وغيرهما... في القرن الخامس قبل الميلاد...

وبقيت قرطاج لوحدها تطور كنزها العظيم وتتطور وتتطور لمئات السنين... أضاف أهلها قواعد لغوية جديدة علموها لكل من أراد الطعم وطلب المعرفة... نسخ واقتبس منها اليونان والرومان والعديد من الشعوب الأخرى كالإتروسكيين والغال والإيبيرين شمالا وسكان جنوب شبه الجزيرة العربية شرقا.


 كان أمرا مبهرا بحق…




 واليوم، ما لا يعرفه العديد منا أن هذه اللغة القرطاجية الكنعانية القديمة ال تزال حية بيننا في ما يسمى بالدارجة من خالل طريقة نطقنا والعديد من المصطلحات القرطاجية الكنعانية القديمة مثل أرض، بيت، راس، عين، يد، ملك، رب، جمل، بنت، والمئات غيرها، كما أنها تظهر جلية في مصطلحات أخرى يستعملها الفلاحون والبحارة مثل شرش، بعلي، إلخ...ويمكن ملن يريد تعلم هذه اللغة القرطاجية القديمة ولغة الدولة الأصلية وحنبعل وما جون وحنون،وغيرهم أن يتسنى له ذلك بشكل مجاني عبر التواصل مع حركة جمهورية قرطاج عبر موقعها صفحاتها على مواقع التواصل االجتماعي. إن مشروعها الثقافي يسعى إلى مراجعة تاريخنا وإصلاحه ومن ضمن أنشطتها المتعددة تقديم دروس مجانية في علم القرطاجيات واللغة وغيرهما.

التعليقات

سياسة التعليقات على موقع الثقافية التونسية.
1. يرجى الالتزام بالتعليق على الخبر أو التقرير أو المقال نفسه ، والابتعاد عن كتابة تعليقات بعيدة عن موضوع الخبر أو التقرير أو المقال.
2.يرجى الامتناع نهائيا عن كتابة أي عبارات مسيئة أو مهينة أو أي كلمات تخدش الحياء أو تحمل سبا وقذفا في أي شخص أو جهة أو تحوي معان مسيئة دينيا أو طائفيا أو عنصريا

أحدث أقدم

إعلانات

إعلانات