بقلم الدكتور احمد القديدي
و السياسية بسبب غلق الحدود و وقف الطيران و النقل عموما ثم تعطل المصانع و تخفيض إنتاج الطاقة و تباطؤ عمل البنوك و زعزعة قطاع الغذاء و نقص المشافي
و ندرة الأطباء
فشرع قادة السياسة و الاقتصاد و المال في كل الدول في عملية اعادة النظر بجدية في النظام العالمي الجائر و مرافقه النظام النقدي الدولي المعروف باسم (بريتن وودس)
وحين قررت الادارة الأمريكية انقاذ المنظومة المصرفية و التأمينية و الصناعية في الولايات المتحدة بضخ مبلغ 700 مليار دولار منذ الأيام الأولى تبعها الإتحاد الأوروبي بضخ مبلغ مواز باليورو لمحاولة منع انهيار الاقتصاد الأوروبي أو على الأقل تأجيل انهياره
واجتمع في بروكسل رؤساء الدول الأوروبية عن طريق البث الرقمي مع محافظ المصرف المركزي الأوروبي ليقرروا بأن أوروبا تختلف عن الولايات المتحدة في تركيبتها الدستورية و الاقتصادية لأن الاتحاد الأوروبي مشكل من 27 دولة ذات سيادة كاملة على مدخراتها المالية ولديها 27 مصرف مركزي عكس الولايات المتحدة ذات المركزية النقدية الراهنة و العريقة (الخزينة)
رغم أن لديها فسحة أكبر من الزمن لتعدل من مسارها و تحور من خياراتها لمجابهة الأزمة. و جاءت قرارات الحكومات الأوروبية منذ شهر مارس 2020 والقاضية بضخ مبالغ مالية من خزينة الدولة لانقاذ مصرف (فورتيس) البلجيكي و شركة (ديكسيا) الاستثمارية المشتركة بين فرنسا و بلجيكا وهو ما يثبت و يؤكد أن استقلالية أوروبا في هذا المجال تبقى استقلالية نسبية و أن الاعصار الذي انطلق من الصين (بانفلات الفيروس من مخابر صينية على رأي الرئيس ترامب) لا بد أن يعبر المحيطات ليزرع الخوف و الجزع و الموت في نفوس المواطنين الأوروبيين مهما كانت نسب تعاملهم الصحي و مدى نجاعته نظرا الى أن هذا الوباء غير مسبوق في التاريخ الحديث و بالتالي اتسم التعامل معه و مع انتشاره السريع بالتخبط و تضارب قرارات السياسيين مع لجان علماء الطب و الاستشاريين!.
وذهب رئيس الجمهورية الفرنسية (السيد ايمانويل ماكرون) الى حد تشبيه هذا الاعصار بالهاوية قائلا الأسبوع الماضي بأن العالم على شفا هاوية في حال ما إذا تردد في بناء نظام مالي واقتصادي جديد على أنقاض نظام (بريتن وودس) أي نظام يأخذ بعين الإعتبار نتائج الوباء والمخاطر المحدقة باقتصادات ومجتمعات دول لا تستقل بقراراتها عن غيرها (وهو بالطبع يقصد الارتباط الأطلسي بين أوروبا والولايات المتحدة).
الغريب أن ما يحصل في العالم اليوم سبق واستشرفه بعبقرية نادرة أحد أصدقائي الكبار الذين أعتز بهم وطالما عرضت مواقفهم في مقالاتي المتواضعة في هذه الصحيفة وهو عالم الاقتصاد الأمريكي الشهير والمرشح الأسبق لرئاسة الولايات المتحدة عن الحزب الديمقراطي (ليندن لاروش) المتوفي منذ سنة والذي طالما اعتبره منافسوه السياسيون رجلا يحلم أو يهذي! أو في أفضل الحالات يصنفونه ضمن اليمين المتطرف!
والسبب الحقيقي لهذا التجاهل المبرمج هو تجرأ ليندن لاروش على انتقاد اسرائيل لا على أسس أيديولوجية ولكن من منطلق أن سياسات
الدولة العبرية تهدد السلام الاقليمي والدولي. وهو نفس الموقف الذي بدأ يجاهر به حتى قادة الفكر في اسرائيل ذاتها بنوع من عودة الوعي واسترجاع الحكمة والحرص على بقاء اسرائيل!
اليوم فقط شرع الأذكياء من القادة الأمريكان و الأوروبيين و الروس يردون الاعتبار للسيد ليندن لاروش فالصحيفة الأولى في ألمانيا ( فرنكفورتر ألغاماين زيتونغ ) الناطقة عادة باسم الطبقة الحاكمة و أصحاب المال و الأعمال كتبت يوم 21 سبتمبر تقول بقلم الكاتبة و الخبيرة ( أوبر هيبر) :
حينما تنبأ لاروش منذ سنوات بحصول هذه الكارثة لم يحفل بأفكاره رجال الاقتصاد. أما اليوم فالأغلبية منهم يكررون ما قاله لاروش. وأضافت الكاتبة: لقد كان لاروش يتميز برؤية ثاقبة و فريدة في التكهن بانهيار النظام النقدي العالمي و هشاشة العالم أمام خطر وباء أو حرب كونية.
و في الكنغرس الأمريكي بدأت تتشكل مجموعة ضغط تتبنى مواقف ليندن لاروش و تحاول تطويق الأزمة و تطبيق العلاج الحقيقي الحاسم الذي اقترحه عالم الاقتصاد الأمريكي.
لكن هل تحرك العرب لتقييم مدى ارتباط منظوماتهم المالية بهذه الأعاصير؟ أذكر أنني في احدى لقاءاتي العديدة بالصديق ليندن لاروش حينما دعاني في ضواحي واشنطن للغداء في (رانشه) في بنسيلفانيا سنة 1984 قال لي : حين ينهار النظام العالمي الجائر الذي أسسه المنتصرون في الحرب العالمية الثانية سيكون العرب أول الضحايا لأن أغلب استثمارات العرب و مدخراتهم تأتي للولايات المتحدة بدون تنويع الملاذات المالية في حين أن الأمريكان أنفسهم يستثمرون في الصين!
وأن العملة النقدية العربية دائمة الارتباط بالدولار وحده وأن المصارف الأمريكية والأوروبية بدأت تشتري نسبا مائوية هامة من رؤوس أموال المصارف العربية الوطنية والخاصة.
وهذه العوامل سوف تحد من استقلالية الحركة العربية لو بدأت تهب عواصف الانهيار والتغيير كما هو الحال مع الوباء القاتل بالاضافة الى غياب التنسيق و التشاور بين الدول العربية في مجال السياسات النقدية.
انني أسوق هذا الرأي السابق بثلاثة عقود عن ظهور الأزمات لكي نعتبر جميعا بالأحداث ونستخلص الدروس و ندرك بأن للعرب قوة كامنة في التحكم بمصائرهم لم يستغلوها الى اليوم فلننظر كيف واجه اليابانيون و الروس و الصينيون أزمة اليوم لنتعلم كيف نستقل و نفعل هذه القوة الكامنة من أجل خير شعوبنا .
• alqadidi@hotmail.com
إرسال تعليق
سياسة التعليقات على موقع الثقافية التونسية.
1. يرجى الالتزام بالتعليق على الخبر أو التقرير أو المقال نفسه ، والابتعاد عن كتابة تعليقات بعيدة عن موضوع الخبر أو التقرير أو المقال.
2.يرجى الامتناع نهائيا عن كتابة أي عبارات مسيئة أو مهينة أو أي كلمات تخدش الحياء أو تحمل سبا وقذفا في أي شخص أو جهة أو تحوي معان مسيئة دينيا أو طائفيا أو عنصريا