حوار صحفي في الذاكرة
الثقافية التونسية تنشر حوارا نادرا مع الاستاذ الراحل الشاذلي القليبي
اول وزير للشؤون الثقافية ووزير الاعلام والامين العام الاسبق للجامعة العربية
الشاذلي القليبي في حديث شامل
العولمة كاللسان ... فيه صلاح كثير..
وفساد كثير !!
حوار : محمود الحرشاني
الأستاذ الشاذلي القليبي من كبار مفكري تونس، والعالم العربي، تقلد عديد المسؤوليات الحكومية في تونس، منها وزير الشؤون الثقافية، ووزير الشؤون الثقافية والإعلام، ووزير الإعلام، كما كان أول مدير عام للإذاعة التونسية غداة حصول البلاد التونسية على استقلالها سنة 1956، وهو خريج جامعة الزيتونة، واشتغل بالتدريس سنوات عديدة بالمعهد الصادقي، انتخب أمينا عاما لجامعة الدول العربية في فترة الثمانينات.. وهو عضو بعديد المجامع اللغوية العربية، ومنها مجمع دمشق ومجمع القاهرة ومجمع تونس.
صدرت له العديد من الكتب ومنها كتابه الشهير "الثقافة رهان حضاري، وأمة تواجه عصرا جديدا. وقد خصنا الأستاذ الشاذلي القليبي بحوار مطول فيما يلي نصه:
• بعد ترك العمل العام ماذا يفعل الأستاذ الشاذلي القليبي الآن ؟
- أطالع من الكتب ما لم أجد له وقتا زمن العمل في الحكومة أو في أمانة الجامعة. وألقي محاضرات وأشارك في ندوات، إلى غير ذلك من الأعمال الفكرية أو السياسية التي تقتضيها الظروف.
• كيف يتابع الأستاذ الشاذلي القليبي مجريات الأحداث على الساحتين العربية والدولية وما هو موقف سيادتكم مما يجري الآن في منطقة الشرق الأوسط ؟
- ما يجري في ساحتنا العربية يقيم الدليل على أن إسرائيل فوق القانون، خلافا لما يشاع في الدوائر الدولية من أن دولنا هي التي ترفض الانحياز إلى إرادة المجتمع الدولي.
ولئن بدأت أوروبا تقتنع بهذه الحقيقة، فإن الولايات المتحدة لا تزال مصرة على تأييد إسرائيل في كل الظروف، رغم أن مصالحها في المنطقة العربية لها أهمية كبرى ولكن لأن واشنطن إذ تقيم نتائج موقفها السلبي من الحق العربي، مقتنعة بأن رد الفعل العربي سيكون تحت كل الظروف، ضئيلا، فإنها تصطف في الانتصار لاسرائيل. ومعروف أن ولاءها لإسرائيل تحكمه مصالح انتخابية داخل المجتمع الأمريكي ولا يتغير سواء مع الحزب الديمقراطي أو الحزب الجمهورية لكن بالنسبة إلى هذا الولاء الدائم لإسرائيل يمكن للدول العربية أن تحد من حجمه لو كانت تمثل في مجموعها قوة حوار فاعل.
• من منطلق كونكم وزيرا سابقا للإعلام في الحكومة التونسية، كيف تنظرون سيدي الأمين العام إلى وظيفة الفضائيات التي تعددت خلال السنوات الأخيرة ؟؟
- تعددت الفضائيات العربية لكن الجدوى نسبية بسبب التماثل في البرامج الترفيهية، وضعف الجدوى من الحصص الثقافية وكثرة الارتجال في إعداد الحوارات السياسية وشبه الغياب للتثقيف الاقتصادي، رغم كبر الحاجة إليه، وإشعاع هذه الفضائيات في الرأي العام الدولي محدود جدا لتغلب العاطفة في التحليل السياسي وضعف الإلمام بشؤون الدول الكبرى المتحكمة في القرار السياسي والتصرف المالي والاقتصادي في مستوى العالم بأسره. وأمام كثرة الفضائيات العربية نتساءل هل يتغير الحال لو تم التوجه إلى إنشاء تكتلات إقليمية بينها ؟ لكن ذلك يتطلب شروطا صعبة المنال، أهمها الحساسيات "القطرية" وتغليب أولويات يقع الاتفاق عليها والتزام خط دائم في كل ذلك أصعب وأعسر.
• رغم تعدد وسائل الإعلام العربية من فضائيات وصحافة مكتوب وإذاعات إلا أن صورة العرب الحقيقية لم تبلغ بحد كما يجب إلى العالم العربي، أي أن هذه الوسائل على تطورها وتنوعها عجزت عن تقديم الصورة التي يريد إبلاغها إلى الآخر. أين يكمن حسب رأيكم الحل ؟
- الفضائيات العربية تتجه إلى الشعوب العربية ولا يكون لها تأثير في الرأي العام الدولي إلا إذا تميزت في مجال من المجالات السياسية أو الثقافية وفي رأينا أن هذا الامتياز غير موجود في أغلب الأحيان لكن التأثير في الرأي العام الدولي يكون بالتوجه إليه مباشرة وبتوخي الوسائل الموصلة للرسالة العربية وهذا مفقود في الوقت الحاضر بصورة شبه كلية. في هذه الظروف العصيبة تحتاج دولنا – إلى أن تفكر- بالسرعة المطلوبة وبالواقعية اللازمة، في استكشاف هذه الوسائل واتخاذ العدة لها.
• دعيتم سنة 1958 إلى إدارة الإذاعة التونسية غداة استغلال البلاد التونسية وكانت مهمة صعبة ما في ذلك شك ما تختزن ذاكرتكم من تلك الفترة ؟
- الفترة التي تحملت فيها مسؤولية الإذاعة التونسية كانت فترة كفاح إذ لم تكن تونس قد استكملت بعد سيادتها على كل ترابها.
فكانت مؤسسة الإذاعة أداة كفاح ونجحت إلى حد بعيد في أداء مهمتها بفضل ما كانت تتحلى به أسرتها في كل المجالات من حماس وتفان ومصداقية.
ونحن اليوم في مستوى الوطن العربي كذلك في فترة كفاح في سبيل إحلال السلام الشامل على قاعدة الشرعية الدولية.
ومؤسسات الإعلام العربية في حاجة إلى هذه الروح الوطنية، بل القومية، للقيام بواجباتها ما فيه إعلاء كلمتنا بالعقل، والموضوعية والرصانة لتغذية الحماس فس شعوبنا على قاعدة إذكاء العقل في كل الأحوال، وإدراك الواقع والتزام الممكن، في نظرة مشتركة بعيدة المدى.
• يحفظ لكم التاريخ دوركم المتميز في إرساء دعائم وزارة الثقافة التونسية باعتباركم أو وزير للثقافة في تونس، وشغلتم هذا المنصب لسنوات عديدة، أسألكم سؤالا محددا، هل وزير الثقافة هو الذي يصنع مستقبل الثقافة في بلده ؟
- وزارة الثقافة التي اضطلعت بها مدة غير قصيرة وعلى فترات ثلاث كانت تسمى آنذاك بوزارة الشؤون الثقافية.
وهذا يشير إلى وظيفتها فليس الحكومة – من خلال وزارة مختصة- هي التي تصنع مستقبل الثقافة في البلاد، كما جاء في السؤال، بل مهمة الدولة أن تيسر أسباب النهوض الثقافي. وتساعد على انطلاق الابداع الفني والفكري وقد بقي هذا التوجه قائما بعد السابع من نوفمبر.
لذلك كنت حريصا دوما على الاتصال المباشر مع مختلف شرائح المجتمع لغرضين : لمعرفة حاجات الناس من جهة معرفة دقيقة وشاملة. ومن جهة أخرى للوقوف على آراء "أهل الذكر" من الأدباء والفنانين، وكل من يساهم في عمليات الإنشاء والإبداع في سائر المجالات.
ومما أستنتجه آنذاك أن الحاجة كانت أكيدة إلى نشر الثقافة في مختلف الفئات الاجتماعية لتقوية الوعي لديها تجاه مشاكل المجتمع الجديد بعد الاستقلال، فكانت الأولوية للوسائل التي تساعد على نشر العمل الثقافي، حتى لا تبقى الثقافة محصورة في "أهل الثقافة" بعيدا عن سائر شرائح المجتمع.
• كنتم أحد الذين دعوا إلى إرساء نظام إعلامي عالمي جديد في فترة الثمانينات للدفاع عن مصالح الدول الصغيرة وحقها في الإعلام، إلى أين انتهت الجهود في تلك المساعي، عل نحن في حاجة إلى وكالة أنباء عربية كبرى بديلا عن عجز الوكالات المحلية ومحدودية انتشارها ؟
- العلاقات الدولية – أي ما يسمى بالنظام الدولي- يشكو اختلالات خطيرة في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية.
ولأن وسائل النشر تتحكم فيها مجتمعات قوية الاقتصاد، فإن الثقافة العالمية هي التي تغزو سائر أقطار العالم وكذلك القول في الإعلام. ومن البديهي أن لا وجود للموضوعية الكاملة في الشأن الإسلامي. فكيفية التعبير عن البحث هي وحدها تغني عن التعليق.
وقد كانت اليونسكو في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات – خاصة في عهد المدير العام مختار مبو- قامت بجهد مرموق، سمعيا إلى تعديل الميزان في مجالي الثقافة والإعلام.
لكن لأي تعديل في هذين المجالين يمس بمصالح حساسة، فإن اليونسكو فشلت وتوقف الاهتمام بهذه القضية.
ومنذ التسعينات تفاقمت الأوضاع بمفعول العولمة التي عمت الدنيا بأسرها خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي واعتناق الصين مذهب "السوق" تزايد شأن التكتلات الإقليمية. ولئن توجهت الأقطار التي حصلت على استقلالها إلى إنشاء وكالات أنباء وطنية، فإن دور هذه الآليات بقي محدودا جدا.
• العولمة وتأثيراتها محور مهم يقفز إلى الذاكرة ونحن نتحدث مع الأستاذ الشاذلي القليبي،ـ ما هي رسالة المثقف في زمن العولمة ؟
- يقال عما يسمى "بالعولمة" ما يقال عن "اللسان" فيه صلاح كثير وفيه فساد كثير بحسب ما تتوفق إليه المجتمعات السامية إلى النهوض بالعولمة. فيمكن أن تدعم عملية التثقيف والتوعية وتيسر الخروج من العزلة التي تحجب الحقائق.
ولكن، إن لم يتخذ الحذر اللازم فهي تؤول إلى فرض أنماط غريبة من العيش ومن الفكر ومن الفن فيؤول الأمر إلى خلق الثقافات الإقليمية والمحلية، وإلى طمس هوية المجتمعات الضعيفة التطور. لذلك فإن من واجبات المثقفين عندنا أن يحللوا هذه الظاهرة الجديدة الطاغية على كل أقطار العالم، بموضوعية وبعد نظر، بدون تشنج يحكم على مجتمعاتنا بالانغلاق، ولكن دون انبهار يفضي إلى التخلي عن مقومات ثقافتنا وأركان حضارتنا.
أما أن يقع تطعيم هذه وتلك بعدد جديد بتماشى وقيمنا الأصلية، فهذا مفيد ويساعد على تسريع النهوض. وأما أن نستبدل ثقافتنا بأخرى بدعوى أنها هي السائدة في العالم، ونعتنق حضارة وهما منا أنها أفضل. فهذا يجردنا من ثراء غزير ويحرمنا - ويحرم الثقافة العالمية أيضا- من إسهامات في الإبداع والفكر.
كوننا أمة عربية- وإسلامية- يعني انتمائنا إلى قيم وتراث وتاريخ نتميز به جميعا. وهذه ثوابت ان هي ذهبت فلا يبقى من معنى للأمة ولا من مرتكز للحضارة العربية الإسلامية.
• بعد سنوات عديدة في منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، كيف تنظرون إلى مستقبل العمل العربي المشترك في ظل التحديات الدولبة والمصالح الإقلليمية .
- نظرا إلى الظروف التي تواجهها الدول العربية فإن العمل العربي المشترك قد يجد نفسا جديدا في التوجه وجهة جديدة. إذا الدول الأعضاء أرادت أن تعطيه رسالة موجهة إلى صنع مصير مشترك. ففي الأربعينات كانت رسالة الجامعة مقصورة على تسيير التعاون بين الدول الأعضاء لكن دون تحديد الهدف. فكانت الجامعة أشبه بمنظمة أمم متحدة صغيرة. لكن العصر الذي نحن فيه اليوم يتميز بقيام كتل عظمى وتسيطر على شؤون العالم، ومن المصلحة العربية – العامة للأمة، والخاصة بكل دولة من دولنا- أن تعطي الجامعة رسالة جديدة تهدف إلى إنشاء كتلة ذات مصالح اقتصادية وثقافية مشتركة، ووزن سياسي في العالم على غرار الاتحاد الأوروبي بهذا التكتل تكتسب كل دولة من دولنا قدرة متزايدة لتسريع نموها وتكتسب المجموعة العربية بأسرها نفوذا دوليا يجعلها قادرة أن تؤثر في مجريات الأحداث وفي صياغة القرارات الخاصة بمنطقتنا وكذلك بشؤون عالمية لها فيها إسهام مباشر.
وإذا ما توفقت دولنا إلى إنشاء هذا الاتحاد بينها، فإن ذلك سيحول دون وقوع نكبة مثل التي حلت بالكويت في 2 أوت 1989 لتشابك المصالح وانتفاء الأطماع وزوال الأحقاد وتغلب جملة من الأولويات، وفي مقدمتها حفظ الأمن البيئي، وهو ما حققته دول أوروبا الغربية بعد حروب ضاربة خلال قرون متتالية، رغم اختلاف لغاتها وتباين ثقافاتها وتناقض الكثير من مصالحها.
• كيف تنظرون إلى مبادرة ولي العد السعودي الأمير عبد الله بن عبدالعزيز التي عرضها في قمة بيروت الأخيرة ؟
-مبادرة الأمير عبد الله بن عبدالعزيز إنما هي إحياء لمبادرة الأمير فهد التي تبنتها قمة فاس 1982، فأصبحت تعرف بالخطة العربية للسلام، لكن إسرائيل رفضتها. وهذا يقيم الدليل على أن سياسة إسرائيل لا تهدف إلى إحلال السلام طبقا للقانون الدولي، كما أن توهم الرأي العام الدولي مدة طويلة، بالدهاء الإسرائيلي جعل الدول العظمى تعتقد أن العرب هم الذين يرفضون السلام، لكن لما يحد الجد، فإسرائيل هي التي تغلق طريق السلام.
هذا ما فعله مناحيم بيغن سنة 1982، وهذا ما يفعله اليوم شارون برفضه مبادرة الأمير عبد الله وباقتراحه لخطة فيها تلاعب بالألفاظ ومغالطة على الغايات.
• شارون رفض مبادرة ولي العهد السعودي التي أصبحت مبادرة عربية، والأوضاع في فلسطين وازدادت تأزما والرئيس الفلسطيني محاصر وإسرائيل تريد تنصيب قيادة جديدة في فلسطين بدلا من السلطة الفلسطينية القائمة... هل هذا هو الرد على المبادرة العربية للسلام ؟
- ما يريده شارون أخطر وأبعد مدى بعد شرح أهدافه مرات عديدة، إذ قال إن "حرب الاستقلال لم تنته بعد وإن على إسرائيل أن تواصلها حتى تسترجع كل الأراضي التي كانت لها في عهد ملك داود.
معنى ذلك، شارون يريد بسط سيطرة إسرائيل على كل فلسطين وربما هو ينظر إلى أبعد من ذلك، وفي سبيل الوصول إلى الغاية، صرح شارون نفسه أن لم يتردد في استعمال كل أنواع القوة حتى السلاح النووي من أجل تحقيق المشروع الصهيوني، كما قال أنه لا يهمه أن يتهم بالنازية، فالمهم عنده هو الوصول إلى الغاية المنشودة. ومعروف أن شارون لم يوافق على أي معاهدة سلام عقدت قبله لا مع مصر ولا مع الأردن ولا على اتفاقية أوسلو، ويعتقد أن الذين أبرموا تلك الاتفاقيات خانوا المصلحة الاسرائيلية.
أجرى الحوار
الدكتور محمود حرشاني
- نشر هذا الحديث بمجلة الرافد الإمارتية بالعدد 86 أكتوبر 2000.
إرسال تعليق
سياسة التعليقات على موقع الثقافية التونسية.
1. يرجى الالتزام بالتعليق على الخبر أو التقرير أو المقال نفسه ، والابتعاد عن كتابة تعليقات بعيدة عن موضوع الخبر أو التقرير أو المقال.
2.يرجى الامتناع نهائيا عن كتابة أي عبارات مسيئة أو مهينة أو أي كلمات تخدش الحياء أو تحمل سبا وقذفا في أي شخص أو جهة أو تحوي معان مسيئة دينيا أو طائفيا أو عنصريا