كتب واصدارات
في كتابها"عاشقة في رحاب صاحبة الجلالة، إعلام الثورة وثورة الإعلام"
الصحفية آسيا العتروس تبحث اشكاليا الاعلام بعد الثورة وتؤكّد أن "الصحافة متعة من الألم"
بقلم: منصف كريمي
عن دار تبر الزمان بتونس صدر مؤخرا كتاب"عاشقة في رحاب صاحبة الجلالة، إعلام الثورة وثورة الإعلام" للصحفية آسيا العتروس وهو عبارة عن مجموعة مقالات متناثرة منشورة هنا وهناك تطرّقت من خلاله المؤلفة وبجرأة وعمق كبيرين إلى قضية الإعلام وإشكالاتها بعد ثورة 14 جانفي 2011 في سياق ما توفّر بفضلها من مناخ غير مسبوق من الحريّة والديمقراطية وذلك في ظلّ غياب التوسّع في تناول واقع وإشكاليات ورهانات الإعلام بعد ثورة 14 جانفي إلاّ ما ندر من مقالات وقراءات صحفية هنا وهناك ببعض الجرائد والصحف وفي ظلّ ما اعتبرته المؤلّفة حسب ما جاء في الصفحة 173 من الكتاب " زحمة العناوين المتنافسة على رصد أحداث الثورة وقراءة ما يمكن أن تحمله في طيّاتها من تحوّلات آنية ومستقبلية لم نشهد ما يمكن اعتباره عنوانا جامعا شاملا يهتمّ بمشاغل أهل القطاع أو يعكس اهتماما جديًّا بمهنة المتاعب ... ورغم أهمية كلّ العناوين، فإنّه لم يكن بينها عنوان صادر من عمق المشهد الإعلامي ليشهد عمّا يحدث خلف الكواليس من انتهاكات وممارسات معيّنة أو ينقل المعاناة اليومية الحقيقة للإعلاميين في معركتهم المستمرّة من أجل الحريّة والكرامة" ليعدّ هذا المؤلّف مرجعا في ما يخصّ هذا المبحث ذي الصلة حيث يعدّ الكتاب محاولةً جادّة لسدّ هذا الفراغ في تسليط الضوء على واقع الإعلام التونسي بعد الثورة وإشكالات إصلاحه وللبحث في الدور الذي يُفترض أن تتعهّد به السلطة الرابعة باعتبارها سلطة أخلاقية ومعنوية في تعزيز أركان ديمقراطية ناشئة وتحصينها من مخاطر التراجع والانهيار ويبدو ان هذا العمل وحسب ما جاء بين دفتيه استوجب أيّاما طويلة من التقييم والتشخيص والرصد وتدوين الشهادات والانطباعات والتحوّلات والارتدادات التي رافقت المشهد الإعلامي في تونس ليأتي في النهاية خلاصة لما جمعته المؤلّفة من أوراق وأفكار وتدوينات مشتّتة وشهادات عبثت بها التكنولوجيا الحديثة لتعود إلى ترتيبها وتوظيبها وبأسلوب راوح بين السرد التاريخي لمسيرة المؤسسة التي تشتغل بها"دار الصباح"وبنفس ملحمي ورسم ملامح الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في تونس منذ 14 جانفي 2011 ودور وسائل الإعلام في التبصير بتحدياته وتوصيف المشهد الإعلامي التونسي بمختلف مواطن الوهن وبؤر الأمل فيه والتأمّل في جملة من المسائل تخصّ الإعلام في تونس وفِي العالم العربي ومنها بالخصوص وضع الصحافة الورقية في ظلّ المنافسة المحتدمة للصحافة الالكترونية والعلاقة ببن الإعلام والديمقراطية ومكانة المرأة في المؤسسات الإعلامية ليكون الكتاب في النهاية تأريخيا لفترات مخاض الاعلام التونسي وقضاياه ورهاناته في ظلّ تحوّلات ديمقراطية غلبت عليها مجموعة من التجاذبات السياسية والفكرية ذات الصلة بالهوية أساسا وقد جاء الكتاب مبوبا وفق عدة مواضيع يجمعها خيط رابط وهو اشكاليات الاعلام عموما والصحافة الورقية خصوصا انطلاقا من التأريخ لمسيرة"دار الصباح" عبر 67 سنة ثم تقديم قراءة المؤلّفة في علل الإعلام التونسي بعد الثورة ليختتم المؤلّف بمجموعة من التأمّلات في عدد من القضايا الإعلاميّة والاتصالية وعن مسيرة المؤسسة المشغلة لمؤلّفة هذا الكتاب فإن آسيا العتروس استعراضتها انطلاقا من مساهمتها كمحمل إعلامي في الحركة الوطنية التحررية وانخراطها في التوجّه العام للحركة الوطنية التحررية بقيادة الحزب الحرّ الدستوري آنذاك مرورا بحقبة المرحوم الهادي العبيدي والذي تعتبره المؤلّفة "مؤسّس المدرسة الوطنية الأولى للصحافة والمصارع القديم والعنيد" ففترة الصراع بين ورثة المؤسسة وصخر الماطري صهر بن علي حيث تعرّضت المؤلّفة الى تضييقات مهنية ورغم ذلك أحست هذه الصحفية فعلا ان " الصحافة أكثر من وظيفة... إنّها متعة من الألم "كما قال رقيب الإدارة الاستعمارية الفرنسية لتونس Muhle إذ خصّصت لهذه المرحلة فصلا في ملاحق الكتاب إلى جانب شهادتي المناضل والنقابي الصادق بسباس والأستاذ الشاذلي القليبي عن تأسيس "الصباح" ودورها الريادي في المشهد الإعلامي التونسي. وفي تناولها لعلل الاعلام التونسي بعد الثورة فإن المؤلّفة انتهجت منهجا تشحيصيا للصعوبات التي طالت صاحبة الجلالة لتقدّم مجموعة من افقتراحاتها ورؤاها لمداواة هذه العلل بسبب الفوضى التي طالت الاعلام وما يمكن اعتباره"انتصابا فوضويا"بسبب تأثيرات التداخل بين ثلاثية المال والاعلام والسياسة الحزبية وتراجع مستوى التكوين والتعليم الأكاديمي ذي الصلة بالاختصاص معتبرة أن وصفة علاج هذه العلل "لا يمكن أن تكون مستوردة أو مستنسخة يتمّ إسقاطها على المشهد بل يجب أن تكون نابعة من تشخيص دقيق لما بلغه المخاض المستمرّ لتحقيق هدف أساسي يكمن في الجمع بين ضمان حريّة الرأي والتعبير وجودة الإعلام ورقيّه" وفي باب التأمّلات في القضايا الاعلامية والاتصالية فان الكتاب يخوض في مسألة استخدام التكنولوجيات الحديثة في المجال الإعلامي لتصل المؤلّفة نحو اقناع القارئ بدور الصحافة الورقية " في إنارة العقول وتبديد غيوم الجهل والظلامية وسحب البساط أمام المساعي الغربية المفضوحة التي تروِّج لزوال متعتها" وذلك بعد ان بيّنت الفرق بين "متعة قراءة الصحافة الورقية وبين سكون جليدي توفّره المواقع الالكترونية "وخلصت انطلاقا من عدد من الأمثلة إلى التأكيد أنّ أزمة الصحافة الورقية مبالغ فيها وأنّ هذا النوع من الصحافة ليس صناعة خاسرة كما يدَّعيه كثيرون وبالتالي لا يمكن أن تموت تحت وقع الزمن معتبرة أنّ الدمج بين المكتوب والرقمي ممكن في مجال الصحافة.
إرسال تعليق
سياسة التعليقات على موقع الثقافية التونسية.
1. يرجى الالتزام بالتعليق على الخبر أو التقرير أو المقال نفسه ، والابتعاد عن كتابة تعليقات بعيدة عن موضوع الخبر أو التقرير أو المقال.
2.يرجى الامتناع نهائيا عن كتابة أي عبارات مسيئة أو مهينة أو أي كلمات تخدش الحياء أو تحمل سبا وقذفا في أي شخص أو جهة أو تحوي معان مسيئة دينيا أو طائفيا أو عنصريا