الدكتورة لطيفة لبصير تكتب من المغرب //هذا المؤقت الذي هو حياتنا ! الدكتورة لطيفة لبصير تكتب من المغرب //هذا المؤقت الذي هو حياتنا !

الدكتورة لطيفة لبصير تكتب من المغرب //هذا المؤقت الذي هو حياتنا !


بعيون امراة

------------

تكتبه من الرباط
الدكتورة لطيفة لبصير *



                    هذا المؤقت الذي هو حياتنا !

يبدو أننا نسينا أن نعيش !
ففي كل يوم نحن نؤجل عيش يومنا، لأن أصابع كثيرة تشتبك معنا في خيوطها، ولذلك نحن نراها وكأنها المؤقت الذي سيعبر، لكن يا إلهي حين يصبح هذا المؤقت الذي ننتظره أن يزول، هو حياتنا التي نسيناها ونحن نرتب أوراق  أولادناأوحيوات آخرين يعيشون معنا.
في حياتنا الكثير من الأحلام والمشاريع المؤجلة، فنحن نحلم ونأمل وننتظر الغد الذي يأتي، ونراكم الكثير من الرغبات التي نؤجلها وفي كل عام نجد الكثير من المشاريع وقد تناست.
في نقاش أنثوي طويل، كنا قد أطللنا على حياتنا الخاصة بمنظار قريب، وجدنا أن حياتنا لا نعيشها كما ينبغي، ذلك أننا مسكونون بفكرة المؤقت الذي سيتغير كي نغير نمط عيشنا وفي خضم هذا المؤقت تسربت حياتنا من الأصابع بخفة. فقد نسينا أن نفتح لنا مساحة خاصة، ذلك أن السيدة التي لديها أطفال تأمل في أن يحصل أطفالها على الشواهد حتى تلتفت إلى حياتها الخاصة وأن تقوم بمشروع خاص، لذا هي مسكونة على الدوام بأن هذا المؤقت سينتهي، ولكنه يأخذ معه الحياة بأسرها، والعازبة نسيت أن تعيش الحياة، واندمجت نهائيا في العمل وتناست نفسها بل في بعض الأحيان أهملتها لأن القادم دوما هو الأحلى، في حين تقول دوما أن هذه أشياء مؤقتة... والسيدة التي عاشت مع أسرتها طويلا كي تغير مصائر إخوتها ويتخذ كل فرد منهم مكانه الخاص، ضاعت حياتها في الطريق وهي تنتظر الغد...
العمر لا ينتظر أحدا، لأنه يعدو بسرعة ويأكل معه الأخضر واليابس، ولذا فان فكرة الارجائية إلى الغد هي في قلب كل إنسان. فالزمن يبدو له متداخلا، وأحيانا يبدو المستقبل وكأنه أصبح ماضيا بكل ببساطة، لأنه انتقل إلى مكانه الصحيح، وفي قلب ذلك تنتهي الحكاية.
يبدو أننا نسينا أن نعيش ونحن ننتظر!
في كتابه"الارجائية« laprocrastinaton للكاتب "جون بيري johnperry ، يرى بأن الكثير من الأشخاص أمضوا حياتهم وهو يؤجلون العيش؛ البعض منهم لأنه يعاني من عدم القدرة لأخذ القرار والبعض الآخر لأنه ينشد الكمال في كل شيء، لذا تكبر انتظاراته وهو يرغب في تحقيق ذلك وتضيع الحياة تحت الخوف من التجربة.
ما ينبغي فعله حقا هو ألا ننتظر أشياء كثيرة مكتملة حتى نحقق رغبة الحياة وألقها، بل علينا أن نشرع في الاستغراق في كل ما لدينا دون أحلام كبيرة، وأن ننسب الأشياء حتى لا تغدو مطلقة وكأنها سور عال يصعب أن نتجاوزه، لذا علينا أن نبدأ بالأشياء البسيطة التي بين أيدينا أولا، وأن لا نكثر من هذا الغد الذي سيأتي ليغير لنا أشياء كثيرة هو نفسه لا يملكها !
حتى لا نراكم الزمن وبرامجه، ينبغي أن نعيد ترتيب أوراقنا بكل بساطة كأن ننبش بهدوء في ما توفر لدينا من جهد لعيش أحلامنا، حتى لا تقع على رؤوسنا بعد سنوات وتكسرها...
يبدو المؤقت صعبا حين نجعله هو الزمن المتكرر في كل يوم، لكننا نصيره فاعلا حين نأخذه إلينا، فالكثير من الناس الذين يجربون ويحاولون ويعيشون ويحلمون ويخطئون ويتعلمون...هم الأقوى في هذا الزمن أكثر من الذين ينتظرون أن يتغير المؤقت الذي لا يتغير إلا بايدينا  !
-------
* كاتبة واديبة مغربية. استاذه جامعية صدرت لها عديد الاعمال في مجال القصة القصيرة والبحث الادبي...

التعليقات

سياسة التعليقات على موقع الثقافية التونسية.
1. يرجى الالتزام بالتعليق على الخبر أو التقرير أو المقال نفسه ، والابتعاد عن كتابة تعليقات بعيدة عن موضوع الخبر أو التقرير أو المقال.
2.يرجى الامتناع نهائيا عن كتابة أي عبارات مسيئة أو مهينة أو أي كلمات تخدش الحياء أو تحمل سبا وقذفا في أي شخص أو جهة أو تحوي معان مسيئة دينيا أو طائفيا أو عنصريا

أحدث أقدم

إعلانات

إعلانات